بين الأكاديميين والإداريين

في تعليق على العلاقة بين الأكاديميين والإداريين، روى لي أحد الزملاء الأكاديميين طرفة، هي بالطبع غير حقيقية، لكنها تعبيرية، وتمثل وجهة نظر الأكاديميين فيما يفعله الإداريون بهم، وما يسببون لهم في بعض الأحيان من مرارة في إعاقة هذا النشاط العلمي أو ذاك.
تقول الطرفة إن أحد الإداريين في إحدى الجامعات الكبرى كان يقول "لولا الطلبة والأساتذة في هذه الجامعة لكانت الجامعة بألف خير". وجوهر الطرفة أن الإداريين يرغبون في رحيل الطلبة والأساتذة كي تسير الأمور على ما يرام .. وأي أمور يُمكن أن تسير في أي جامعة عند غياب الأساتذة والطلبة؟!
هناك نوعان رئيسان من النشاطات في أي مؤسسة كبيرة كانت أم صغيرة: نشاطات جوهرية، ونشاطات داعمة للنشاطات الجوهرية. النشاطات الجوهرية في المستشفيات، على سبيل المثال، هي نشاطات معالجة المرضى من قبل الأطباء، والنشاطات الداعمة هي النشاطات اللوجستية والإدارية وما يرتبط بها، والتي تعمل على تمكين النشاطات الجوهرية وتفعيلها. والنشاطات الجوهرية في الجامعات هي التعليم والتدريب والبحث العلمي وتقديم المشورة، والنشاطات الداعمة هي النشاطات الإدارية المُختلفة المُتعلقة بشؤون الأساتذة والطلبة وقضايا تمكين النشاطات الجوهرية التي ترتبط بهؤلاء والعمل على تفعيلها.
في إطار ممارسة النشاطات الجوهرية والنشاطات الداعمة لها، كثيراً ما تحدث خلافات بين أطراف هذه النشاطات. في الجامعات يقول الأكاديميون إن الإداريين لا يقومون بدورهم المأمول في تمكين نشاطاتهم وتفعيلها، بل إنهم في بعض الأحيان يعيقونها. في المقابل يقول الإداريون، إن الأكاديميين لا يقدرون الأنظمة واللوائح حق قدرها، وكثيراً ما يُطالبون بأمور تُؤدي إلى تجاوزها، وهذا غير مقبول. ويرد الأكاديميون بأن الإداريين هم الذين وضعوا اللوائح كي يكونوا آمرين ومُتحكمين وليسوا مساعدين وداعمين.
وكثيراً ما تتفاقم المشكلة أكثر عندما يتحول بعض الأكاديميين إلى إداريين. في مثل هذه الحالة، يجد الأكاديمي الإداري سلطة اللوائح والقوانين بين يديه، وهذه فرصة ليستمتع بهذه السلطة، إذا أراد، ويفرض نفسه على زملائه مُتحكماً في نشاطاتهم الجوهرية إعاقة أو تسهيلاً. وهذا بالطبع لا ينطبق على جميع الأكاديميين الإداريين، فبعضهم يملك من المنطق والحكمة والحماس للعطاء المعرفي ليقوم ليس فقط بتسهيل النشاطات الجوهرية بل بتشجيعها وتفعيلها، إضافة إلى العمل على تطوير اللوائح في هذا الاتجاه.
ولعل القارئ الكريم يتساءل ماذا يجب أن نفعل لحل مثل هذه المشاكل؟
إن خير وسيلة لمواجهة المشاكل الداخلية لأي مؤسسة هو "المواجهة الإيجابية" بين أطراف هذه المشاكل، وبحضور صاحب الصلاحيات في المؤسسة. هذا في الحقيقة ما فعله جاك ويلش Jack Welch الذي أدار إحدى أكبر الشركات العالمية "جنرال إلكتريك GE" على مدى عقدين من الزمن، نقلها خلالها من حالة لم تكن مُرضية إلى حالة مُتقدمة بين الشركات العملاقة المثيلة. كان ويلش يعقد لقاءات دورية مع أطراف شركته العملاقة، سواء أولئك في مصانع الإنتاج الذين يقومون بالنشاطات الجوهرية أو الإداريين والمسؤولين عن التسويق من أصحاب النشاطات المُساعدة. كانت هذه اللقاءات وسيلة لمُناقشة أمور الشركة وطرح مشاكلها، وسماع وجهات النظر المُختلفة، واتخاذ القرارات الفورية لحلها بما يُحقق نجاح الشركة وتقدمها.
جامعاتنا، بل ومُؤسساتنا المُختلفة تتطلب شيئاً من ذلك. لا يجوز أن تُترك الأمور على عواهنها، ولا أن تُهمل المشاكل القائمة التي قد تعيق العمل، ولا يجوز الانحياز إلى طرف دون آخر، بل يجب سماع جميع الأطراف، واتخاذ القرارات الحكيمة اللازمة. إن وجود لقاءات دورية بحد ذاته قد يحل بعض المشاكل قبل وصولها إلى العرض خلال هذه اللقاءات، فمن يعرف أنه يُسبب المشاكل سيُحاول تجنبها، وإذا بقيت مشاكل حقيقية بعد ذلك، فستلقى الإصغاء وتلقى الحسم الذي يُؤمل دائماً أن يكون حكيماً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي