اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي.. ماذا تقول المُؤشرات؟

تلقى مسألة اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي اهتماماً كبيراً في مُؤتمراتنا العلمية هذه الأيام، فقد عُقدت على مدى السنة الماضية مُؤتمرات اقتصادية حملت عناوين اقتصاد المعرفة، وعُقدت أيضاً مُؤتمرات في تقنيات المعلومات حملت عناوين الاقتصاد الرقمي. فماذا يُمكن أن نقول عن اقتصاد المعرفة؟ وماذا يُمكن أن نقول عن الاقتصادي الرقمي؟ هل يُمكن النظر إليهما كتعبيرين لمعنى واحد، أم أن هناك اختلافات؟ وإذا كان هناك اختلافات، فما هي هذه الاختلافات؟
إن أي تعبير نطلقه يحمل معنى لُغوياً مُحدداً، وفي المسائل العلمية يرتبط المعنى العلمي لأي تعبير ليس فقط بمعناه اللغوي، بل بتعريف اصطلاحي مُحدد، كثيراً ما توضع له عناصر وتفصيلات مُتعددة ومُتشعبة. ونحن هنا نريد أن نبين المعنى الاصطلاحي المُحدد لتعبير "اقتصاد المعرفة"، وذلك على أساس المؤشرات الدولية التي وُضعت خصيصاً له، من خلال ما يُعرف بـ "طريقة تقييم المعرفة"، والتي يُعبر عنها اختصاراً بالأحرف الأجنبية KAM. وسوف يتضح من خلال هذه الطريقة دور تقنيات المعلومات الرقمية، أو بالأحرى الأثر الرقمي في هذا الاقتصاد، هذا الأثر الذي يُمثل عملياً الاقتصاد الرقمي في إطار اقتصاد المعرفة الأكثر اتساعاً.
يستند اقتصاد المعرفة في أي بلد من البلدان، طبقاً لطريقة تقييم المعرفة KAM، إلى سبعة محاور رئيسة، تتضمن هذه المحاور: محور الأداء الاقتصادي، ومحور النظام الاقتصادي، ثُم محور إدارة الحُكم، ومحور التعليم، ومحور دور المرأة، ومحور الابتكار، إضافة إلى محور بنية الاتصالات وتقنية المعلومات. وسوف نُلقي الضوء فيما يلي على كل من هذه المحاور، لبيان كيفية النظر إلى اقتصاد المعرفة والأثر الرقمي فيه.
لنبدأ بمحور الأداء الاقتصادي الذي يُركز على حال التنمية الاقتصادية، ولهذا المحور تسعة مُؤشرات، أبرزها مُؤشران هما: مُؤشر الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشر التطوير البشري. أما محور النظام الاقتصادي فله 12 مُؤشراً أهمها: مُؤشر عوائق التجارة المرتبط بحرية التجارة. ولمحور إدارة الحُكم سبعة مُؤشرات أبرزها: مُؤشر الجودة التنظيمية المرتبط بالتجارة وتطوير الأعمال، ومُؤشر الأمن والقضاء.
وفي محور التعليم هناك 14 مُؤشراً أهمها: مُؤشرات ثلاثة ترتبط بنسبة تلقي التعليم بين البالغين، ونسبة المسجلين في التعليم الثانوي، وكذلك نسبة المسجلين في التعليم العالي بين من هم في السن المُناسب لذلك. وفي محور دور المرأة هناك خمسة مُؤشرات تهتم بتعليم المرأة وعملها. أما في محور الابتكار فهناك 24 مُؤشراً، بينهم مُؤشرات ثلاثة رئيسة ترتبط بعدد العاملين في البحث العلمي، وعدد البحوث العلمية المنشورة، وأعداد براءات الاختراع لكل مليون من السكان.
كُل ما سبق مُؤشرات لاقتصاد المعرفة لا ترتبط بالأثر الرقمي إلا كنشاط من النشاطات الاقتصادية الكثيرة الأخرى. ولكن يبقى محور بنية الاتصالات وتقنية المعلومات ليُضيف 12 مُؤشراً إلى مُؤشرات اقتصاد المعرفة التي تبلغ في مجموعها 83 مُؤشراً. أي أن مُؤشرات الأثر الرقمي أو الاقتصاد الرقمي تُمثل نحو 15 في المائة من مُؤشرات اقتصاد المعرفة، طبقاً لطريقة تقييم المعرفة KAM المُعتمدة دولياً على نطاق واسع.
بين مُؤشرات الأثر الرقمي سابقة الذكر، هناك ثلاثة مُؤشرات رئيسة مُستخدمة على نطاق واسع، هي: مُؤشرات أعداد الهواتف والحواسيب لكل ألف من السكان، وأعداد مستخدمي الإنترنت لكل عشرة آلاف من السكان. ولنا عودة إلى مُؤشرات الأثر الرقمي في موضوع خاص في المستقبل.
ولعلنا على أساس ما سبق قد أوضحنا نظرة المُؤشرات الدولية إلى كُل من اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي. ونحن في الحقيقة نحتاج إلى الاثنين معاً. نحتاج إلى اقتصاد معرفي مُتميز ومُدعم بأثر رقمي فاعل. وفي هذا الإطار يجب ألا نقوم بتحديد هذه المُؤشرات فقط، بل أن نُخطط إلى تطويرها باستمرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي