بنية التقنية الرقمية وفاعلية الاستخدام
تُشكل تقنيات المعلومات أحد الأعمدة السبعة لاقتصاد المعرفة. وليس هذا تقديري الشخصي، بل هو أمر مُتعارف عليه دولياً. فالمنظمات الدولية المُتخصصة، وعلى رأسها البنك الدولي، تعتمد طريقة لتقييم مدى تطبيق اقتصاد المعرفة في دول العالم المُختلفة. وتُدعى هذه الطريقة "بطريقة تقييم المعرفة" ويُعبر عنها اختصاراً بالأحرف الأجنبية KAM. وتعتمد هذه الطريقة على سبعة موضوعات رئيسة يتشكل من خلالها اقتصاد المعرفة، طبقاً لمرئيات الطريقة. وبين هذه الموضوعات السبعة موضوع تقنيات المعلومات. وتشمل الموضوعات الستة الباقية: الأداء الاقتصادي، والنظام الاقتصادي، وإدارة الحُكم، والتعليم، ودور المرأة، إضافة إلى موضوع الابتكار. وقد قدمنا نظرة شاملة إلى هذه الموضوعات في مقال سابق.
ما يعنينا في هذا المقال هو تقنيات المعلومات في اقتصاد المعرفة، وبالتحديد ماذا تقول "طريقة تقييم المعرفة KAM" في ذلك، فهي المرجعية المُعتمدة في الدراسات الدولية حالياً. ثُم ما الأسس التي تستند إليها هذه الطريقة التي تتضمن "83 مُؤشراً" بينهم "12 مُؤشراً" لتقنية المعلومات، أي بنسبة تُقدر بنحو "14 في المائة" من جملة المُؤشرات.
تنقسم مُؤشرات تقنيات المعلومات في "طريقة تقييم المعرفة KAM" إلى ما يمكن أن نقسمه إلى ثلاث مجموعات رئيسة: مجموعة تتعلق بحجم الإنفاق على تقنية المعلومات؛ ومجموعة ترتبط بحجم الوصول أو النفاذ إلى الخدمات المُتعددة لهذه التقنيات عدا الإنترنت؛ ثُم مجموعة تهتم بالنفاذ إلى الإنترنت إضافة إلى تفعيل استخدامها والاستفادة منها.
في المجموعة الأولى المُتعلقة بحجم الإنفاق، هناك مُؤشر واحد خاص بذلك. ويُقدر هذا المُؤشر بنسبة الإنفاق على تقنيات المعلومات من الناتج الإجمالي المحلي، الذي يُعبر عنه اختصاراً بالأحرف الأجنبية GDP. ويُبين هذا المُؤشر مدى الاهتمام بتقنيات المعلومات في إطار الوضع الاقتصادي العام، فهذا الاهتمام دليل على وجود توجه نحو تفعيل العمل المعرفي عبر هذه التقنيات. وتجدر الإشارة هنا إلى نسبية هذا المُؤشر. فإذا اشتركت دولتان بقيمة واحدة له، فهذا يعني أن إنفاقهم النسبي، نسبة إلى وضع كُل منهما الاقتصادي واحد، لكن هذا الوضع الاقتصادي قد يكون مُختلفاً للغاية.
تختص المجموعة الثانية من المُؤشرات بحجم النفاذ أو الوصول إلى وسائل تقنيات المعلومات، تبعاً لعدد السكان. وتشمل هذه المُؤشرات: عدد الهواتف، وكذلك عدد الخطوط الهاتفية لكل ألف من السكان؛ ويأتي التمييز بين عدد الخطوط وعدد الهواتف، على أساس أن الخط الواحد يُستخدم عادة من قبل أكثر من هاتف، فقد يكون هناك خط واحد في مكتب، لكنه مُستخدم من قبل هواتف عدد من الموظفين. وتتضمن مُؤشرات المجموعة الثانية أيضاً عدد الجوالات وعدد الحواسيب لكل ألف من السكان. ويُعتبر التلفزيون وسيلة أخرى من وسائل تقنيات المعلومات، وهناك مُؤشر يأخذ في الاعتبار النسبة المئوية للمنازل التي يُوجد فيها جهاز تلفزيون. ونظراً لأن الصحف وسيلة معلوماتية مهمة أيضاً، هناك مُؤشر يختص بعدد الصحف التي يتم توزيعها لكل ألف من السكان.
ونأتي إلى المجموعة الثالثة من المُؤشرات، وهي المجموعة الخاصة بالنفاذ إلى الإنترنت وتفعيل استخدامها والاستفادة منها. بين هذه المُؤشرات: مؤشر يرصد عدد مُستخدمي الإنترنت لكل ألف من السكان؛ ومُؤشر يرتبط بالتكلفة الشهرية لاستخدام الإنترنت؛ ثُم مُؤشر يتعلق بسرعة الإنترنت المتوفرة لكل فرد؛ وآخر يهتم بتوفر خدمات حكومية على الإنترنت؛ إضافة إلى مُؤشر يتعلق بخدمات الأعمال على الإنترنت. وتُعبر هذه المُؤشرات عن الأهمية التي تراها "طريقة تقييم المعرفة KAM" في دور الإنترنت في الاقتصاد المعرفي.
إن نظرة إلى المُؤشرات سابقة الذكر تُشير إلى أنها تتركز أساساً على مسألة الشكل بمعنى البنية التقنية، ومدى امتداد هذه البنية وتوفر خدماتها، أكثر مما تهتم بمسألة المضمون، بمعنى الاستخدام الفعلي والفعّال لهذه البنية والاستفادة منها بما يعود بالفائدة على المُجتمع. وعلى ذلك "فطريقة تقييم المعرفة KAM" المُعتمدة دولياً غير كافية من حيث إظهار أثر تقنيات المعلومات في اقتصاد المعرفة.
نحن في المملكة، نمتلك بنية منافسة لتقنيات المعلومات، لكننا هل نستفيد منها فعلاً. هل أفادنا الهاتف أو الجوال أو الحاسوب أو الإنترنت في جعل إنجاز أعمالنا بسرعة أكبر وكفاءة أعلى، وهل وفرنا من خلال ذلك من زمن إنجاز الأعمال وتكاليفها. إذا كان الأمر كذلك، فهل استثمارنا الكبير في تقنيات المعلومات قد حقق المأمول، أم أن علينا المزيد من العمل كي تُحقق تقنيات المعلومات التي بين أيدينا ما حققته للآخرين من كفاءة وفاعلية في مُختلف الأعمال وما قدمته من فوائد مهمة للمُجتمع.