عين على المحكمة الجنائية الدولية وعين على السودان

تتحصل وقائع قضية السودان، عندما شكل الأمين العام للأمم المتحدة "لجنة التحقيق الدولية" حول دارفور بموجب قرار من مجلس الأمن، وذلك بشأن انتهاك أطراف النزاع في دارفور للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وإثبات أو نفي وقوع إبادة جماعية، وانتهت اللجنة إلى وجود انتهاكات للقانون الدولي وحقوق الإنسان – وهي ذات النتيجة التي توصلت إليها لجنة التحقيق الوطنية التي شكلها رئيس السودان عام 2004 – وبناء على ذلك أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1593 بموجب الفصل السابع القاضي بإحالة الواقعة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن المحكمة الجنائية لا تعد ضمن أجهزة الأمم المتحدة، وهي منشأة بموجب اتفاقية دولية، إلا أن مجلس الأمن استمد صلاحياته للمادة (13 /ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
والصراع في دارفور قائم منذ قرون إبان الوجود العثماني والألماني والإنجليزي والفرنسي في تلك المنطقة وهو صراع على الموارد الطبيعية المحدودة والنفط، وهو ليس عرقيا, فقبائل الإقليم تداخلت وتصاهرت إلا أن التدخلات الخارجية واستغلالها وانتشار السلاح كل ذلك وسع من حدة الصراع وأظهره على الساحة الدولية وجعل من دارفور ملفا مفتوحا ضد السودان.
ومنذ أكثر من عقد هناك دعوة تبنتها الأمم المتحدة، وكان الهدف المعلن وما زال أن تكون مهمة مواجهة جرائم الحرب مسؤولية المجتمع الدولي، ولذا أنشئت في صيف 1998، المحكمة الجنائية الدولية لتمثل الركيزة الأساسية لمختلف التيارات السياسية والقانونية التي باتت تدرك أن الفراغ الواقع على ساحة العدالة الجنائية الدولية الذي شهدته البشرية عبر تاريخها الطويل لم يعد كما كان.
وتبقى الدفوع القانونية محصورة بأن المحكمة هي مؤسسة قائمة على معاهدة ملزمة فقط للدول الأعضاء ليس السودان طرفا فيها، كما أن المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلا عن القضاء الجنائي الوطني، وإنما هي مكمل له وهي امتداد للاختصاص الجنائي الوطني وليس لها أن تتعدى على السيادة الوطنية أو تتخطى نظم القضاء الوطني طالما كان الأخير قادرا وراغبا في مباشرة التزاماته القانونية الدولية، ومن ثم فمبدأ التكامل بين المحكمة الجنائية الدولية، والنظم القانونية يقضي بعدم قبول الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا كان يجري التحقيق أو تم إجراؤه أو المقاضاة في الدعوى، فضلا عن عدم جواز المساس بالحصانة الدولية وأهمها القضائية وفق الأعراف والقوانين الدولية لرؤساء الدول.
مثل هذه التباينات تعني أننا أمام قضية ملتبسة لأن عناصرها السياسية والقانونية متشابكة ولذلك فإن التوصل إلى تأصيل دقيق ومحايد لاختصاص المحكمة أمر غاية في الصعوبة، وتؤثر فيه طبيعة الالتزامات القانونية الواجب خروج لائحة الإيقاف تأسيسا عليها.
وبالطبع لن يكون في وسع السودان إحداث تغييرات في لائحة الادعاء، طالما أنها بعيدة عن الواقع الذي تطبخ فيه الأدلة وتقدم على أساسه الحقائق النهائية.
عقبتان رئيسيتان تواجهان خطة الدفاع السودانية التي ارتكزت حملتها عليها: الأولى تتعلق بشكل التحالف الدولي واحتمال تأييد أطراف أخرى متناقضة المصالحة والسياسات والأهداف لمذكرة الإيقاف، والثانية ترتبط بالتفسير لقبول السودان الضمني لاختصاص المحكمة استنادا إلى سماحها بالإجراءات التي سبقت الإحالة للمحكمة، ومع أن الأمرين مختلفان، إلا أنهما يقودان في واقع الأمر إلى نقطة واحدة.
جرائم الحرب هي منتج إسرائيلي بامتياز كما هو تمردها على التشريعات الدولية، وهذه الجرائم تنطبق على الممارسات الإسرائيلية حتى إنها يمكن أن تأخذ نموذجا للدلالة على جرائم الحرب وهي النموذج المحضر والمصنع والدافع والمولد.
وبعين على المحكمة الجنائية وأخرى على السودان، فإنه ومن منظور الأمن العربي والإسلامي الاستراتيجي فالسودان على حافة إنهاك وإرباك لتقديراته ومقدراته وهو البلد الغني بموارده الطبيعية من مياه وتربة، وبغض النظر عن الأخطاء في النظام، فإن إرباك السودان يعني تهديدا لأمن البحر الأحمر إذ إنه ضمن خاصرة الدول العربية، ومعبر النيل وإطلالة مهمة على البحر الأحمر ويتواصل مع قرن إفريقي، وهو عمق استراتيجي لهذا الامتداد في مواجهة التهديدات التي بدأت تعصف بالمنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي