أزمة حوكمة تقنيات المعلومات
هناك ثلاث حقائق مهمة في مجال تقنيات المعلومات. تُبين الحقيقة الأولى أن تكاليف هذه التقنيات، بما يتضمن تكاليف تشغيلها وإدارتها وأجور القائمين عليها، تُمثل نسبة ملحوظة من نفقات أي مُؤسسة ابتداء بمستوى الدولة وانتهاء بمستوى أي وحدة عمل خدمية أو إنتاجية. وتتلخص الحقيقة الثانية في أن بيئة العصر تُؤكد ضرورة استخدام هذه التقنيات، وأن من لا يستخدمها يبقى معزولاً رقمياً عن التواصل مع الآخرين والاستفادة من مُعطيات العصر. أما ثالث هذه الحقائق فتقول بإمكان استخدام هذه التقنيات استخداماً فعّالاً يُؤدي إلى الحصول على فوائد تفوق التكاليف، لتُصبح هذه التكاليف استثماراً مفيداً عالي الجدوى.
بالنظر إلى الحقائق الثلاث هذه نجد أن الحقيقة الثالثة تُمثل بُشرى للحقيقتين الأولى والثانية، فالتكاليف تعوضها الفوائد، والتفاعل مع بيئة العصر تصبح أكثر فاعلية. لكن الحقيقة الثالثة ليست حقيقة مُطلقة، بل هي حقيقة شرطية. والشرط هنا يكمن في مسألة "حوكمة تقنيات المعلومات" التي طرحتها في مقال سابق، وأود هنا إلقاء الضوء على الأزمة التي تواجهها هذه الحوكمة في مُختلف مُؤسساتنا.
بيّنا في مقال سابق أن حوكمة تقنيات المعلومات تهتم بتفعيل فوائد هذه التقنيات من أجل رفع مستوى جدواها. وبينا أن هذه الفوائد تشمل "فوائد مادية" مثل سرعة تنفيذ النشاطات المُختلفة، وتوفير الزمن، وتخفيض تكاليف التنقل، والحد من الأوراق المُستخدمة، وغير ذلك. وأنها تتضمن أيضاً فوائد "نوعية" مثل حفظ المعلومات إلكترونياً بأكثر من نُسخة، وفي أكثر من مكان؛ ومثل توفر المعلومات ودعم اتخاذ القرارات السليمة. ويُضاف إلى ذلك فوائد "التواصل" الفعّال بين أقسام المُؤسسة داخلياً، وبين المُؤسسة والمُؤسسات الأخرى خارجياً.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو مدى نجاح حوكمة تقنيات المعلومات في مُؤسساتنا. والمعنى المقصود هنا هو مدى نجاح هذه الحوكمة في الاستفادة من معطيات هذه التقنيات وتقديم الفوائد الموعودة التي تبرر التكاليف، وربما تبرر أيضاً المزيد من الاستثمار في هذه التقنيات ومُعطياتها المُتجددة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إدارات وأقسام تقنيات المعلومات في المُؤسسات المُختلفة هي إدارات خدمات وظيفتها تفعيل النشاطات الرئيسة لمُؤسساتها وتعزيز مُنجزات هذه النشاطات والحد من أعباء تنفيذها. وعلى ذلك فإن هذه النشاطات الرئيسة، التي قد تكون تعليمية أو بحثية أو طبية أو غير ذلك هي التي تجني الفوائد بما يرفع من كفاءة القائمين عليها وفاعلية أدائهم لها. وهكذا فإن تقنيات المعلومات بالنسبة لهذه النشاطات هي وسيلة لتحقيق عاملين هامين هما: جودة أفضل ومردود أعلى.
وإذا نظرنا إلى مسألة الاستفادة من تقنيات المعلومات في تطوير جودة نشاطات مُؤسساتنا وتحسين مردودها في العمل، وهو ما تسعى إليه حوكمة تقنيات المعلومات، فماذا نجد. هل نجد، على سبيل المثال، أن مُؤسساتنا قد حدت من استخدام الأوراق؛ هل نجد أن الزمن المطلوب لإجراءات العمل المُختلفة قد انخفض؛ هل نجد أن الاستجابة للمتطلبات الطارئة قد أصبحت أكثر فاعلية؛ هل نجد أن الأعباء الإدارية الفرعية المطلوبة من أصحاب النشاطات الرئيسة في المؤسسات قد انخفضت لصالح هذه النشاطات. إذا كانت مُؤسساتنا قد حققت شيئاً من ذلك، فهل حققته بالدرجة المطلوبة، وهل يُمكن تحقيق المزيد، هل يُمكن أن نطوّر حوكمة تقنيات المعلومات في هذه المُؤسسات نحو المزيد الجودة والكفاءة.
النظر إلى مُختلف مُؤسساتنا، بشكل عام، يُشير إلى ضرورة تطوير حوكمة تقنيات المعلومات فيها. حركة الأوراق، وليس الإلكترونات عبر الشبكات، لا تزال المحرك الرئيس لإجراءات العمل. الطلبات والاستمارات للجهات المُختلفة، ضمن المُؤسسة الواحدة لا تزال تُملأ مرات ومرات كُل عام، دون الاستفادة من قاعدة معلومات موحدة للمُؤسسة الواحدة. وفي هذا الإطار هناك قصص عديدة نسمعها عن المُؤسسات المُختلفة. ومن آخر ما سمعت أن أقسام الجودة في بعض مُؤسساتنا لا تستخدم تقنيات المعلومات بالأسلوب المُناسب لتطوير الجودة حتى في الأعمال المُرتبطة بها.
إن مسألة تطوير حوكمة تقنيات المعلومات مطلوبة، ولا يرتبط هذا التطوير بإدارات وأقسام تقنيات المعلومات في المُؤسسات فقط، بل بإداراتها العليا، وبجميع العاملين فيها أيضاً.