انتقاء القيادة من الداخل أو الخارج .. ما الفرق؟
القيادة من الظواهر الإنسانية التي عرفها الإنسان ومارسها قبل أن يعرف ماهيتها، فهي إذن قديمة قدم الإنسان نفسه، وقد نبه الفكر الإداري الإسلامي إليها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله "إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم"، كما تناولتها العلوم الإنسانية الحديثة بكثير من البحث والدراسة - ومنها علم الإدارة - بهدف معرفة ماهيتها ، تفسيرها والتعرف على أهم المتغيرات والعوامل الشخصية الخاصة بالقائد أو العوامل المؤسسية والاجتماعية المؤثرة فيها، ومما قيل عنها أنها فن التأثير وتوجيه الناس، كما وصفها البعض بأنها فن جعل المرؤوسين يفعلون المستحيل، وهي أيضا عملية توجيه الآخرين نحو مجموعة من الأهداف، ويمكن أن أضيف لها تعريفاً بأنها رؤية واضحة وقدرات استثنائية وقوة محفزة تأخذ الأفراد والمنظمة نحو مستقبل أفضل.
ويفهم من هذه التعاريف أن القيادة هي المحرك الرئيسي للمنظمة ومن دونها لا يمكن أن تحقق المنظمة أهدافها، سواء كانت الأهداف مادية أو معنوية، لذلك تحرص المنظمات المحلية والعالمية على اختلاف نشاطاتها وطبيعة عملها أو حجمها على انتقاء أفضل الكوادر البشرية سواء من بين العاملين فيها، أو من الكفاءات خارجها للعمل في الوظائف القيادية في مستوى الإدارة العليا، أو الوسطى أو في المستوى الإداري الأول. مما يدعونا لنتساءل: أي الطريقتين أكثر فاعلية في تحقيق أهداف المنظمة ؟ وإجابة عن ذلك فإن لكل طريقة مزايا أوجزها في السطور التالية:
إن أبرز مزايا انتقاء القيادات من بين العاملين هو أنه يوفر للمنظمة قيادات تكون لديها المعرفة التخصصية بطبيعة النشاط الذي تمارسه المنظمة، ولديها الخبرة بطبيعة العمل ومشكلاته، والإلمام بثقافة المنظمة وبخصائص العاملين الشخصية والمهنية، والاهم من ذلك كله ارتياح العاملين وعدم شعورهم بالخوف أو التهديد من القيادة الجديدة، خاصة إذا تمت عملية الترشيح والمفاضلة بطريقة معلنة للجميع، ووفق معايير وآليات مقننة، وفي هذه الحالة يدعم العاملون القيادة الجديدة ويفعلون المستحيل لنجاحها وبقائها.
أما انتقاء القيادات من خارج المنظمة فله بعض المزايا، فمن إيجابياته أن الكفاءات المرشحة تتصف بالحماس الشديد للعمل على الرغم من نقص الخبرة، كما تتصف بالرغبة العالية في الإنجاز لتحقق الطموحات والآمال المعلقة عليها، في تطوير الأداء وتحسين الأوضاع والخروج من المآزق، لكن أبرز العقبات التي قد تواجه القادة الذين يتم اختيارهم من خارج المنشأة هو أن القيادة قد تجد نفسها باستمرار أمام مقاومة ورفض غير معلن من جانب العاملين وسندهم في ذلك الرفض هو اللوائح والنظم المؤسسية القائمة.
إن احتمالات نجاح القادة الذين يتم انتقاؤهم من داخل المنظمة أكبر من القادة الذين ينتقون من خارج المنظمة، وذلك بسبب عوامل عدة ومن بينها تقبل ودعم العاملين للقيادة الجديدة، ولكن هل يعني ذلك خطأ طريقة الانتقاء من الخارج أو أن القادة المرشحين من خارج المنظمة مصيرهم الفشل؟ بالطبع لا، فالأمثلة والتجارب العالمية الناجحة للمنشآت العملاقة مثل شركة صناعة السيارة كرايزلر الأمريكية أبسط مثال، حيث عملت حكومة الرئيس ريجان في عام 1982م على تغيير القيادة الإدارية في أعلى الهرم الوظيفي في شركة كرايزلر المهددة بإعلان الإفلاس آنذاك، عندما استعانت بقائد إداري مؤثر من خارج الشركة, هو لي آيا كوكا، الذي قام من خلال خطة شاملة، وفي غضون عام واحد فقط بحماية الشركة من إعلان الإفلاس، وتسديد قروضها، ومن ثم الخروج بها إلى شاطئ الأمان باستمرارها في سوق صناعة السيارات.
من ذلك نرى أن القيادة الفاعلة هي نقطة تحول وتغيير في حياة المنظمة، تأخذ المنظمة وأفرادها إلى مستقبل أفضل، وسواء تم انتقاء القائد من داخل المنشأة أو من خارجها، فما عليه سوى أن يحمل معه في اليوم الأول في عمله الجديد استراتيجيته الإدارية وفيها عدد من أدوات الاستفهام التالية: إلى أين، كيف، متى، ومن، وماذا، ولماذا. وفي مقال الأسبوع المقبل بإذن الله سأوضح المضامين الإدارية لكل أداة من أدوات الاستفهام.