وداعاً وهيب الرهيب
ذكرت هذه الصفة المحببة التي كان يطلقها الشيخ عبد العزيز كانو على الفقيد الغالي فقيد التجارة والتجار ورجال المال والأعمال والاقتصاد وكتاب الاقتصاد وكل من عرفه عن قرب أو سمع ذكره العطر ولو من بعيد من خلال أعماله الخيرة أو نشاطاته المثمرة أو كتاباته المميزة، تذكرتها وأنا أصطدم بالخبر المفجع عن وفاة الشيخ وهيب سعيد بن زقر الرمز الوطني والقلب الإنساني الكبير صباح الأربعاء الماضي.
لقد عرفت أبا عبيد عن قرب وكنت قد سمعت عنه الكثير، عرفته عندما سافرنا سوياً في جولة من جولات الدفاع عن مواقف الوطن الغالي خلال أزمة حرب تحرير الكويت بقيادة الأمير الموهوب عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود إلى لندن عام 1990م عندما كان صدام حسين يحتل الكويت وينشر الدعايات ضد المملكة ومواقفها ويبرر أفعاله المشينة في تلك الأيام العصيبة وكنا بصحبة كريمة من الشيخ عبد العزيز كانو والمرحوم الدكتور محسون جلال والدكتور القدير أسعد عبده وكنت قبل ذلك قد سعدت بصحبة أخيه محمد في زيارة مماثلة لبعض الدول الأوروبية أيضاً بقيادة الأمير عبد الله بن فيصل الذي يعتبر مدرسة في حسن الحديث وشرح مواقف المملكة المشرفة للعالم بأسلوب عال وأداء مميز.
كان المرحوم الشيخ وهيب شعلة من النشاط والحيوية في تلك الرحلة وكانت لديه علاقات أو شبكة كبيرة من العلاقات والصداقات القوية في لندن وفي أوروبا استثمرها وسخرها لخدمة وطنه وكان من رجال الأعمال القادرين على الجمع بين المصالح وتبادل المنافع وتسخير كل ذلك لخدمة الوطن أولاً وأخيراً ولا شك أن سمعته وحسن علاقاته مع الكل كانت وراء امتداد هذه الشبكة الواسعة من المحبين والمعجبين حتى سمي وهيب بالرهيب إعجاباً وتقديراً له.
كان وهيب شيخ التجار بلا منازع وشيخ الأخلاق الفاضلة والصداقة الصافية التي يغمرك بها ويأسرك بصوته الهادئ وشخصيته الفذة وقلبه الكبير دون تكلف أو تزلف وكانت أفعاله مثل أقواله في دعم أعمال الخير وحب بلاده وأهلها شرقاً وغرباً ومعرفته العميقة بأحوال البلاد وتفاصيلها وهمه الدائم ببذل ما يستطيع من الغالي والنفيس من أجل وطنه وأهله، وبادله الجميع حباً بحب ووفاء بوفاء ولم يكن يتردد في تقديم النصح والإرشاد الصادق والتوجيه الهادف عندما يقرأ ما تكتب أو يسمع ما تقول وكان الجميع يقدر ذلك لمعرفته بدوافعه النبيلة وطهارة قلبه وحسن معرفته ودقة معلوماته.
لقد فقدت جدة ومجتمعها وفقد الوطن ابناً وعلماً من الرواد الكبار لمسيرة بلادنا المستمرة إنشاء الله في النمو والازدهار وفقد الجميع أخاً محباً وفياً وهب نفسه لخدمة بلاده وبناء مجتمعه على أسس متينة من الحب والعمل الإنساني المميز لقد كان مسؤولاً مرموقاً وتاجراً شريفاً وقبل هذا وذاك مواطناً وفياً كريماً مع الجميع في أعمال البر والخير.
إن عزاءنا في وهيب بن زقر أنه في موته كما كان في حياته يصبح قدوة لغيره في عمله وفي تاريخه وإن الكثيرين في وطنه سيرون في مسيرته الطويلة المليئة بالوفاء والحب والإنجاز عبرة ونبراساً لمكارم الأخلاق، لا يستغرب من معدنه الكريم الأصيل.
رحم الله أبا عبيد وألهم أسرته ومحبيه الصبر وجعل من معاناته مع المرض خلال سنواته الأخيرة طهوراً وبرداً وسلاماً على روحه الطاهرة الحبيبة.
إنا لله وإنا له راجعون