مدن المعرفة والجوانب الإنسانية والاجتماعية
ليس تعبير "مُدن المعرفة" تعبيراً تخصصياً، بل هو تعبير بات مُتداولاً على نطاق واسع في مُختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. فهناك مُؤتمرات دولية حول مُدن المعرفة، بينها: مُؤتمر عُقد في تركيا قبل عدة أشهر، وآخر سيُعقد في الصين بعد عدة أشهر. وهناك مُدن معرفية يجري بناؤها بينها: "مدينة المعرفة من أجل الإبداع" المُتخصصة في علوم الحياة في استكهولم عاصمة السويد؛ و"مدينة المعرفة" في مونتريال عاصمة مُقاطعة كويبك الكندية؛ و"مدينة المعرفة الاقتصادية" في المدينة المنورة. وتًشكل تقنيات المعلومات وسيلة رئيسة من الوسائل الضرورية لبناء مثل هذه المدن وجعلها حقيقة واقعة قادرة على تقديم الفوائد المأمولة، الاقتصادية منها والاجتماعية والإنسانية.
ومُدن المعرفة طبقاً لمرئيات مدينة المعرفة السويدية، هي المدينة التي تجتمع فيها نشاطات "حدائق التقنية" من جهة، مع نشاطات "المُدن المُعتادة" من جهة أخرى. وبنظرة إلى حدائق التقنية نجد أنها تتكون عادة من جامعات ومُؤسسات بحثية وتعليمية، إلى جانب مُؤسسات تُقدم مُختلف المُنتجات والخدمات في إطار مًتكامل. أي أن نشاطات حدائق التقنية تتضمن البحث العلمي وتوليد المعرفة، والتعليم والتدريب ونشر هذه المعرفة، إلى جانب القيام بتوظيف المعرفة والاستفادة منها في تقديم مُنتجات وخدمات جديدة أو مُطوّرة. وإذا أضفنا إلى نشاطات حدائق التقنية هذه نشاطات المُدن المُعتادة، فسنجد أنفسنا أمام نشاطات المستفيدين من معطيات حدائق التقنية، وأمام نشاطات القادرين على تفعيل دورها وعطائها. وبذلك تتكامل صورة العمل المعرفي بحيث لا تبقى معزولة في عملها عن المُجتمع الذي تعمل من أجله، بل مزروعة فيها تتبادل الأثر والتأثير معه.
وهكذا نجد أن مُدن المعرفة ليست مُؤسسة واحدة بل هي تجمع من مُؤسسات وأفراد، لكل دوره في جعل هذه المدن مراكز ازدهار يُطلب توسيعها لتشمل الدول والمُجتمعات، بل والعالم بأسره. على هذه المدن أن تُفعّل المعرفة ودورها ليس اقتصادياً فقط، بل اجتماعي وإنساني أيضاً. صحيح أن الاقتصاد قوة رئيسة في جودة حياة الإنسان ومستواها، لكن الصحيح أيضاً أن العاملين الاجتماعي والإنساني يتمتعان أيضاً بقوة رئيسة في تكوين المجتمعات وتوجهات الإنسان وسلوكه. والمعرفة في مُدن المعرفة يجب أن تكون اقتصادية تعمل على توليد الثروة، واجتماعية تهتم بتوظيف اليد العاملة، وإنسانية تُركز على الالتزام والأمانة.
وتأتي تقنيات المعلومات في مدن المعرفة لتكون وسيلة التفاعل المعرفي بين المُؤسسات والأفراد داخل هذه المدن من جهة، وبين هذه المُؤسسات والمُؤسسات المعرفية الأخرى، ليس على مستوى الأوطان فقط، بل على مدى العالم بأسره من جهة أخرى. وتشمل تطبيقات تقنيات المعلومات في هذه المدن أداء شتى الإجراءات إلكترونياً، بما يُعزز كفاءتها وجودتها. ويشمل ذلك: التعاملات داخل كُل مُؤسسة من مُؤسسات المدينة المعرفية، والتعاملات الحكومية وتعاملات الأعمال بين المُؤسسات وبمشاركة الأفراد داخل المدينة وخارجها، إضافة إلى نشاطات التعليم والتدريب والتواصل المعرفي بين الجميع ولمصلحة الجميع كما تقضي مبادئ إدارة المعرفة.
ولعله من المُناسب لكل جامعة أن تسعى، بمشاركة المُؤسسات المُختلفة، إلى بناء مدينة معرفية في إطارها، لا تقتصر على حديقة تقنية فقط، بل تتضمن أيضاً تفاعل الأفراد والمُؤسسات الأخرى حولها. وفي بناء مثل هذه المدن، يجب عدم التركيز على النواحي الاقتصادية فقط، بل أخذ الأمور الاجتماعية والإنسانية في الاعتبار. وفي ذلك فوائد للجميع بما يُحقق مُجتمعاً مُتوازناً ومعطاء، لكل فرد فيه دور يسعى إلى تحقيقه من خلال التعامل الإيجابي مع الآخرين.