الأعمدة الأربعة للحكومة الإلكترونية.. نظرة إلى المُتطلبات الدولية

تحدثنا في موضوع سابق عن العوامل الرئيسة الثلاثة لتقييم جاهزية الحكومة الإلكترونية، في الدول المُختلفة. وكان الخبير الدولي "ريتشارد كيربي" قد عرض هذه العوامل خلال زيارته للرياض في شهر صفر الماضي (1430هـ). وقد شملت هذه العوامل: البنية الأساسية للاتصالات وتقنية المعلومات في الدولة المعنية، وتُمثل هذه البنية الإمكانات التقنية المتوافرة على الصعيد الوطني؛ ثُم المستوى الثقافي والتعليمي للأفراد في هذه الدولة، بمعنى مستوى مقدرتهم على التعامل مع الإنترنت؛ إضافة إلى الخدمات المُقدمة إلكترونياً عبر المواقع الحكومية على الإنترنت، وتمثل هذه الخدمات المصدر الذي يُقدم المعطيات المطلوبة.
ونظراً للأهمية المستقبلية للحكومة الإلكترونية والتعاملات الحكومية عبر الإنترنت، رأيت أن أُطلع القارئ الكريم على مزيد من التوجهات والآراء الدولية حول هذا الموضوع، لعل في ذلك ما يدعوه إلى مزيد من التفاعل مع هذه التعاملات والاستفادة منها. فهي أساساً موجهة إليه، تسعى إلى تسهيل أمور حياته وجعل حصيلة عمل المُجتمع من حوله أكثر كفاءة وفاعلية. ولا شك أن الخدمات والتعاملات الحكومية الإلكترونية، مهما تطورت، لن تكون مجدية ما لم تجد المُستخدم الذي يهتم بها ويستفيد منها لتعم الفوائد الجميع.
سوف نتطرق هُنا إلى الأعمدة الأربعة للحكومة الإلكترونية كما يطرحها "قسم الاقتصاد والشؤون الاجتماعية في مُنظمة الأمم المُتحدة"، "ويُعرف هذا القسم الدولي اختصاراً بالأحرف UNDESA". ويأتي طرح القسم للأعمدة الأربعة هذه من خلال استمارة دراسة حقلية يجريها القسم على تطبيقات الحكومة الإلكترونية في الدول المُختلفة. وتشمل هذه الأعمدة: الاستراتيجية الوطنية للحكومة الإلكترونية؛ والتنظيم القانوني لهذا الحكومة؛ والمسؤولية الإدارية عنها؛ إضافة إلى مواقع الخدمات الحكومية المُقدمة. وسوف نُلقي الضوء فيما يلي على كُل من هذه الأعمدة الأربعة.
تُمثل "الاستراتيجية الوطنية" لدولة من الدول في موضوع من الموضوعات، وهو هنا موضوع "الحكومة الإلكترونية"، وجود رؤية وأهداف تسعى هذه الدولة إلى تحقيقها في هذا الموضوع. ولا شك أن وجود مثل هذه الرؤية والأهداف لا يأتي من فراغ، بل يأتي في فهم ودراسة تُعطي تطلعات بشأن المُستقبل. وفي المملكة، تضمنت الخطة الوطنية لتقنية المعلومات والاتصالات توجهات استراتيجية بشأن التعاملات الحكومية الإلكترونية، ويجري في الوقت الحاضر تنفيذ هذه التوجهات على أرض الواقع.
وننتقل إلى العمود الثاني للحكومة الإلكترونية الذي يهتم بموضوع "التنظيم القانوني". فهذا التنظيم ضرورة للمستخدمين، فهو الذي يُنظم التعاملات الحكومية الإلكترونية ويُحدد إجراءاتها ويُوثق مشروعيتها ويضمن الاستجابة لتنفيذها. ويشمل ذلك كُلاً من التعاملات الحكومية مع الأفراد، والتعاملات الحكومية مع المُؤسسات الخاصة، إضافة إلى التعاملات بين الإدارات الحكومية المُختلفة. ويُساعد وجود مثل هذا التنظيم على وضع أنظمة داعمة لتعامل الأفراد مع المُؤسسات الخاصة في إطار إجراءات الأعمال الإلكترونية التي تُنظم العمل إلكترونياً والتجارة الإلكترونية بجوانبها المُختلفة.
ويُركز العمود الثالث على المسؤولية، ويُبين مُتطلباتها. ويتضمن ذلك وجود هيئة للتعاملات الإلكترونية، ووجود شخصية رئيسة تتحمل مسؤولية هذه الهيئة وخدماتها. ولدينا في المملكة هيئة خاصة للتعاملات الحكومية الإلكترونية. وترتبط هذه الهيئة بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وتتواصل هذه الهيئة مع جميع الخدمات الحكومية الإلكترونية في مُختلف الوزارات والإدارات.
ويهتم العمود الرابع بمواقع التعاملات الحكومية الإلكترونية، ويُؤكد بصفة خاصة على نواحي: "التعليم، والشؤون المالية، والقضايا الخارجية، والصحة، إضافة إلى العمل والكوادر البشرية والخدمات الاجتماعية". ويتشابه عمود الحكومة الإلكترونية هذا مع العامل الثالث من عوامل جاهزية الحكومة الإلكترونية التي طرحها الخبير الدولي "ريتشارد كيربي" في محاضرته في الرياض قبل عدة أسابيع.
وإذا دمجنا عوامل الجاهزية الثلاثة التي طرحها الخبير الدولي، والأعمدة الأربعة للحكومة الإلكترونية التي طرحتها استمارة "قسم الاقتصاد والشؤون الاجتماعية في مُنظمة الأمم المُتحدة UNDESA"، ودمجنا المُتشابهات فيه، نجد أمامنا ستة عناصر مهمة للحكومة الإلكترونية هي: الاستراتيجية، والتنظيم، والمسؤولية، والبنية التقنية، وثقافة الإنسان، إضافة إلى مواقع الخدمات الإلكترونية. ولنا عودة إلى هذا الموضوع المهم لمزيد من إلقاء الضوء في المستقبل، بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي