سؤال مشروع: لماذا يعد البعض تقارير الأداء "سرية" ؟
ما زلت أستغرب من توجه معظم الجهات الحكومية في اعتبار تقارير الأداء المرفوعة عن الموظفين "سرية". أحاول أن أستوعب لماذا تصنف بأنها تقارير "سرية"؟ ما الداعي إلى أن ُتسبغ عليها صفة "السرية"؟ هل تقارير الأداء التي تعدها تلك الجهات عن موظفيها ُتستخدم لغرض تقييم الأداء فعلا أم لغرض الانتقام والإثابة؟ هل تقييم الأداء وسيلة للتوجيه والإرشاد الوظيفي أم هو "سوط" في يد المدير؟
إذا كانت التقارير تستخدم لغرض تقييم الأداء ، فإنها لم تحقق مراميها ، لأن المقصد من تقييم الأداء أن يعرف الموظف من الإدارة مواطن القوة والضعف في أدائه، وبالتالي يزيد من (أو يحافظ على) قوته من جهة، ومن جهة أخرى يعالج جوانب الضعف.
أما في القطاع الخاص ، فإن عملية التقييم تتمتع بشفافية أكثر. حيث يتولى غالبا مدير الإدارة المعنية line manager تقييم الموظف دوريا ثم يستدعيه في جلسة مغلقة لمناقشة أدائه ويطلعه على تقرير الأداء كاملا ، وللموظف الحق في قبول درجة التقييم أو رفضها (إذا كان مقتنعا فعلا بأن الدرجة لا تعكس أداءه الحقيقي)، وبعد أن يوقع الموظف بالقبول أو الرفض ، يصادق عليها المدير ذو المستوى الإداري الأعلى (مدير المدير)، ثم ُتجمع تقارير أداء موظفي الإدارة وترسل لإدارة الموارد البشرية، حيث تحدد جلسة أخرى للموظف يحضرها ثلاثة مسؤولين (مدير الموارد البشرية ومدير الموظف المباشر ومدير مديره) ُيناقش في هذه الجلسة أداء الموظف للتحقق من موضوعية التقييم واستيعاب الموظف نتائج التقييم.
نعود مرة أخرى إلى القطاع الحكومي ، كيف يقيم معظم المديرين "الحكوميين" موظفيهم؟ أولا، يقوم المدير المباشر بإقفال باب مكتبه لكي ُيدخل نفسه في طور "السرية" في أجواء تذكرنا بطقوس اختيار "الباباوات". ثانيا، يفرد سعادته نماذج تقييم الأداء على الطاولة ويقسمها إلى مجموعتين: "المرضي عنهم" و"المسخوط عليهم". وضمن كل مجموعة من هاتين هناك درجات، فالمرضي عنهم أعلاهم أصحاب 100 في المائة وأدناهم أصحاب 75 في المائة. أما المسخوط عليهم فأعلاهم دون 75 في المائة ، وأدناهم يلامسون الحضيض. ثالثا، يقوم سعادته بعد تعبئة جميع تقارير أداء موظفيه بناء على معيار "الرضا والسخط" ، بوضع التقارير في مظروف محكم الإقفال ويكتب عليه بقلمه السائل "سري"، ثم يرسلها مع أحد الفراشين "الثقاة" إلى الموارد البشرية أو شؤون الموظفين.
ولك أن تدرك فداحة تقييم الأداء الذي ُيجرى بتلك الطريقة في كثير من جهاتنا الحكومية، تخيل أن الموظف يمضي سنوات من الخدمة وهو لا يدري أي طريق هو سالك، لا يدري إن كان يسير في الاتجاه الصحيح أم الخاطئ.
أخبرني أحد الزملاء، وهو يعمل في جهة حكومية، أنه كانت بينه وبين مديره "عشرة عمر" أكثر مما هي علاقة عمل، وكان عندما يدخل على مديره يظهر له الابتسامة والترحيب الحار، وصادف أن هذه الجهة عرضت على موظفيها منحهم قروضا سكنية وفق شروط محددة من ضمنها الحصول على حد أدنى في درجة تقييم الأداء. تقدم صاحبنا بطلب القرض بكل ثقة، وظل يترقب الموافقة. مرت أيام وأسابيع وتلتها شهور، إلا أن الموافقة لم ترد. دهش وظل يتابع معاملته، بدأ يتقصى ويتحرى إلى أن عرف بطريقته الخاصة أن الشروط تنطبق عليه ما عدا شرط درجة تقييم الأداء! ُصعق عندما أدرك أن مديره رغم الابتسامة الصفراء والترحيب المزيف كان يصنفه من ضمن "المسخوط عليهم" دون أي أسباب مقبولة!
لماذا يا ترى يصل الحال بنا إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا نمارس الصدق والشفافية مع الموظفين؟ إذا كان المدير مقتنعا بأن الموظف "سيئ" ، فعليه أن يستدعيه لجلسة مغلقة ويواجهه قائلا بكل صراحة "أنت موظف سيئ لأنك تفعل كذا وكذا" ، فهذا أهون كثيرا على الموظف من أن يبتسم له المدير ثم يكتب عنه تقارير أداء سرية "سيئة" تتسبب في حرمانه من الترقية والتدريب والعمل الإضافي والقروض السكنية وغيرها من المزايا التي يخص بها المدير جماعته من المرضي عنهم!