موجة العداء للنفط تعود تحت غطاء "أمن الطاقة" و"حماية البيئة"
يرجح الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز المهنا مستشار وزير البترول والثروة المعدنية، أن ينخفض الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري بأكثر من مليون برميل يوميا. ويشرح المهنا في الحلقة الثالثة (الأخيرة)، العوامل التي تدعم هذه الرؤية. وكان المستشار المهنا قد تناول في الحلقة الأولى المسببات الحقيقية لارتفاع أسعار النفط حتى لامس 150 دولارا ثم انهياره سريعا في غضون خمسة أشهر، وحدد في الحلقة الثانية تأثيرات الأزمة المالية العالمية في أسواق النفط والاستثمار في بدائل الطاقة. هذه الحلقات عبارة عن ورقة عمل قدمها المهنا أمام الملتقى العشرين لأساسيات صناعة النفط والغاز في دول "أوبك" الذي استضافته الكويت في 25 آذار (مارس) الماضي. إلى تفاصيل الحلقة الأخيرة.
من الواضح أن السوق البترولية العالمية، وصناعة الطاقة بشكل عام، بدأت تدخل في مرحلة تحول مهم وتواجه تحديات كبيرة، بعضها مرتبط بسوق البترول من حيث ارتفاع أسعاره بشكل حـاد ثم انخفاضها بشكل أكبر، واستمرار تذبذبها إلى اليوم. وبعض هذه التحديات مرتبط بالأزمة المالية التي أصبحت أزمة اقتصادية أصابت مختلف الأنشطة وفي أنحاء العالم كافة، وأثّرت وستؤثر بشكل سلبي في أسواق البترول والطاقة لفترة طويلة.
إضافة إلى ذلك فقد عادت موجة العداء للبترول من قبل بعض الدول الغربية تحت اسم أمن الطاقة، وحماية البيئة، ومحاربة التغير المناخي، ويعني الأول عدم الاعتماد على البترول المستورد من مناطق تعد غير آمنة من خلال الإيقاف، أو التخفيض، أو التحول إلى مصادر بديلة. والمناطق غير الآمنة التي يشار إليها تشمل منطقة الشرق الأوسط وفنزويلا بالنسبة للإدارة الأمريكية، وروسيا بالنسبة لدول أوروبا، وبالذات بعد أزمة جورجيا في الصيف الماضي، وأزمة إمدادات الغاز لأوكرانيا، خلال الشتاء الماضي، التي أثرت في وصول الغاز الروسي لأوروبا لكون أوكرانيا معبراً لأنابيب الغاز الروسي. (موقع البيت الأبيض على الإنترنت يشير بوضوح إلى أن هدف الحكومة الأمريكية الجديدة هو إنهاء استيراد البترول من الشرق الأوسط وفنزويلا خلال عشر سنوات).
أما البعد الثاني للعداء للبترول، فهو موضوع حماية البيئة والخوف من الاحتباس الحراري، حيث يُتهم الوقود الأحفوري، كالبترول، بأنه من أحد أهم مسبباته، ما يعني العمل على تخفيض استهلاك البترول من خلال رفع كفاءة استخدامه، مع التوسع في استخدام المصادر البديلة للطاقة، كالطاقة النووية، والطاقة الهوائية، والطاقة الشمسية، والطاقة الحيوية بما فيها الإيثانول.
ونتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية والسياسات التي تدعو لها الدول الغربية، من حيث تخفيض استهلاك البترول، فإنه من غير المتوقع أن يستمر الاتجاه العام للطلب على البترول، كما كان الأمر خلال السنوات العشر الماضية، حيث ارتفع الطلب العالمي من 73 مليون برميل يوميا عام 1997 إلى 86 مليون برميل يوميا عام 2007، أي بزيادة 13 مليوناً خلال عشر سنوات فقط.
ومن المتوقع أن ينخفض الطلب العالمي على البترول خلال هذا العام بأكثر من مليون برميل يوميا، وهذا أكبر انخفاض يحدث في الطلب خلال الـ 26 سنة الماضية. وسيبلغ إجمالي الانخفاض في الطلب لعامي 2008 و2009م بين 1.5 مليون ومليوني برميل يوميا. وفي حالة تعافي الاقتصاد العالمي وعودته إلى النمو خلال العام المقبل 2010 فإن الطب على البترول سيبـــدأ في الارتفاع التدريجــــي، إلا أن هــــذا الارتفاع سيكون بطيئاً وقــد لا يعود الطلب العالمي علــى البترول إلى المستوى الذي كـــان عليه عام 2007 (86 مليون برميل يوميا) إلاّ في عام 2012، وستكون زيادة الطلب بعد ذلك مقتصرة في الدرجة الأولى على الدول الناشئة ذات النمو الاقتصادي الجيد مثل الصين، والهند، والبرازيل، وأغلب الدول المنتجة والمصدرة للبترول التي تتميز بانخفاض أسعار المنتجات البترولية محلياً وعدم وجود سياسة قوية لترشيد الطاقة.
وسيكون هذا التباطؤ في الطلب مدفوعاً بالأزمة المالية الاقتصادية الحالية، ومعززاً بسياسات عدم الاعتماد على البترول المستورد، ودواعي حماية البيئة، ومحاربة التغيّر المناخي.
ويوازي هذا في الأهمية أن مناطق الطلب على البترول ستشهد تغيراً كبيراً، بحيث تنتقل بشكل تدريجي، مراكز الاستهلاك، من الدول الصناعية المتقدمة، التي احتلت هذا الموقع خلال الـ 100 عام الماضية ، إلى الدول الناشئة والدول البترولية، ومن المتوقع أن تكون خريطة الطلب العالمي في المستقبل على الشكل التالي:
#2#
أولاً: الدول الصناعية، التي تضم دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الـ 30، التي وصل الطلب على البترول لديها إلى القمة منذ ثلاث سنوات، وبـدأ في الانحدار التدريجي، نتيجة لوصول اقتصاداتها إلى مرحلة النضج، وضعف فرص النمو الاقتصادي المرتفع، وسهولة التعرض للأزمات الاقتصادية والمالية المختلفة، وتحقيق غالبية المواطنين تطلعاتهم المادية الأساسية (إلى الوصول إلى درجة تُشبع الرغبات الأساسية) مع ضعف النمو السكاني. تضاف إلى ذلك سياسات ترشيد الطاقة، والاهتمام الزائد بقضايا أمن الإمدادات، وقضايا حماية البيئة.
فمنذ منتصف هذا العقد بدأ الطلب على البترول في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في الانخفاض بشكل تدريجي، ومن المتوقع مع نهاية العام الحالي أن يصل إجمالي انخفاض الطلب في دول هذه المجموعة إلى نحو أربعة ملايين برميل يومياً منذ عام 2005م. حتى في حالة انتهاء الأزمة الاقتصادية الحالية، وعودة النمو الاقتصادي، إلا أنه من غير المتوقع أن يحصل أي نمو في الطب على البترول من قبل الدول الصناعية، بل إن احتمال استمرار انخفاض الطلب هو الأقرب إلى الواقـع، وإن كان انخفاضاً صغيراً وتدريجياً، وقد ينحدر إجمالي استهلاك الدول الصناعية إلى نحو 43 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020م، بعد أن كان في حدود 50 مليون برميل يوميا عام 2005، وستكون نسبة استهلاك هذه الدول من إجمالي الطلب العالمي 46 في المائة، بعد أن كانت نحو 63 في المائة منذ عقدين من الزمن فقط.
ثانياً: الدول الناشئة، كالصين، والهند، والبرازيل، وهي دول تتميز بنمو اقتصادي جيد، حتى في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وتتميز ببداية الرخاء والتقدم الاجتماعي ونمو الطبقة المتوسطة، وزيادة عدد السكان، والعمل على أخذ دور اقتصادي متميّز على المستوى الدولي. هذه الدول الناشئة من المتوقع أن يستمر نموها الاقتصادي بشكل جيد خلال بقية هذا العقد والعقود المقبلة، ونتيجة لذلك، فإنه من المتوقع أن يستمر نمو الطلب على البترول فيها. وبشكل أعلى من المعدل العالمي، فالصين التي كانت مصدرة للبترول منذ أقل من 20 عاماً، أصبحت الآن ثاني أكبر دولة مستهلكة للبترول وثالث دولة مستوردة، ومن المتوقع أن يرتفع الاستهلاك الصيني من البترول من 7.5 مليون برميل يوميا في الوقت الحاضر إلى أكثر من 12 مليون برميل يوميا عام 2020م، هذا الارتفاع في الطلب ينطبق وإن كان بنسب مختلفة على الدول الناشئة الأخرى كالهند، البرازيل، روسيا ، إندونيسيا، وغيرها. ومن المحتمل أن يصل إجمالي الطلب في الاقتصادات الناشئة عام 2020م إلى نحو 36 مليون برميل يومياً، أو ما نسبته 39.5 في المائة من إجمالي الطلب العالمي، بعد أن كان أقل من 10 في المائة عام 1990.
ثالثاً: الدول المنتجة والمصدرة للبترول، التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيس على هذه السلعة. والطلب في هذه الدول غير مرتبط بأوضاع الاقتصاد العالمي ومستوى أسعار البترول عالمياً، بل مرتبط بالدرجة الأولى بزيادة عدد السـكان (والتي تصل إلى نحو 2 في المائة سنوياً) ونمو الاقتصاد المحلي (المقدر ما بين 2 - 5 في المائة سنوياً).
ونظراً لثبات وانخفاض أسعار المنتجات البترولية وعدم وجود أي ارتباط بين الأسعار في الأسواق المحلية والأسعار في السوق العالمية، وعدم وجود سياسات قوية لترشـيد استخدام البترول في غالبية هذه الدول، لـذا فإن الطلب على البترول في هذه الدول سيستمر في الارتفاع سنة بعد أخـرى، وأعلى من المعدل العالمي بشكـل واضح. فعلى سـبيل المثال فإن الطلب على البترول في الدول الأعضاء لمنظمة الأقطار العربيـة المصدرة للبترول (أوابك) كان في حدود 2.3 مليون برميل يوميا عام 1990، ليصل عام 2008 إلى 4.6 مليون برميل يوميا، أي بزيادة سنوية تصل إلى 4 في المائة (6) وهي نسبة أعلى من معدل الزيادة في الطلب العالمي بثلاثة أضعاف. ومن هنا فقد ارتفعت حصة دول "الأوابك" من إجمالي الطلب العالمي من 3.5 في المائة إلى 5.4 في المائة للفترة نفسها. وفي حالة استمرار هذا المسار، وهو أمر متوقع، فإن الطلب المحلي لدول "الأوابك" سيصل عام 2020 إلى نحو تسعة ملايين برميل يوميا، وسيكون نصيبها أكثر من 10 في المائة من إجمالي الطلب العالمي.
فإذا أضيفت إلى ذلك زيادة الطلب من الدول البترولية الرئيسة الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) ودول أخرى نامية مصدرة للبترول كعمان، اليمن، السودان، كازاخستان، وأذربيجان، فإن إجمالي الطلب على البترول في الدول المنتجة والمصدرة للبترول قد يصل إلى نحو 17 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020م، أو نحو 18.5 في المائة من إجمالي الطلب العالمي، أي أن الدول المنتجة والمصدرة للبترول ستكون دول رئيسة مستهلكة للبترول في الوقت نفسه، ما يعني انخفاض صادراتها ودخلها من البترول.
رابعاً: بقية دول أنحاء العالم، التي تمثل في الدرجة الأولى الدول الفقيرة غير المصدرة للبترول في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية، التي يمثل الطلب على البترول فيها نحو ستة ملايين برميل يومياً. فإنه من المتوقع زيادة الطلب على البترول فيها خلال السنوات والعقود المقبلة بنسبة صغيرة، نتيجة لزيادة عدد السكان، إلا أنها بسبب وضعها الاقتصادي لن يكون لها أي تأثير في معادلة العرض والطلب البترولي العالمي مستقبلاً.
من هنا فإن خريطة الطلب العالمي على البترول ستتغير بشكل واضح خلال السنوات المقبلة، وبحلول عام 2020 من المتوقع أن تستهلك الاقتصادات الناشئة نحو 39 في المائة من الطلب العالمي، والدول المنتجة للبترول 17 في المائة. وفي حالة استمرار هذا الاتجاه في العقدين التاليين فإن أغلب الاستهلاك العالمي من البترول سيتركز في الدول الناشئة والدول البترولية فقط.
أما في جانب العرض (أي الإنتاج)، فإن التغيرات ستكون بسيطة، وبالذات في حالة عدم ارتفاع أسعار البترول أكثر من 70 دولاراً للبرميل، وهو الحد الذي يسمح لمصادر الطاقة غير التقليدية كالبترول الرملي، والبترول الصخري، ومصادر الطاقة المتجددة، والإيثانول، في التوسع بشكل كبير وتجاري، من دون مساعدات حكومية مباشرة أو غير مباشرة. كما أن السـعر المقدّر الذي قد يسمح للتقنيات الجديدة الخاصة بالسيارات (كالبطاريات الكهربائية مثلاً) بالتوسع بشكل طبيعي ومناسب للمستخدمين التقليديين.
وبشكل عام، فإنه من المتوقع خلال السنوات المقبلة زيادة الإنتاج، تبعاً لزيادة الطلب. كما أنه من المتوقع انخفاض العرض من بعض المناطق، والدول كالمكسيك، بحر الشمال، مصر، وسورية، واليمن. كما سيرتفع الإنتاج في مناطق أخرى مثل بحر قزوين، غرب إفريقيا، والبرازيل وستصبح البرازيل من الدول المنتجة الرئيسة حيث سيرتفع إنتاجها من 2.0 مليون برميل يوميا حالياً إلى نحو 6.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015.
وهناك ثـلاث دول بترولية رئيسة سيرتبط إنتاجها بسياساتها البترولية، وهي: روسيا، الولايات المتحدة، والعراق. فإنتاج روسيا بدأ في الانخفاض العام الماضي، وهو انخفاض مرشح للاستمرار، إذا لم تعط الحكومة حوافز للشركات الروسية لزيادة الاستكشاف والإنتاج. والولايات المتحدة، في مرحلة انخفاض في الإنتاج، إلا أنه بالإمكان تغييره إلى زيادة في الإنتاج إذا سمحت الحكومة الأمريكية بالاستكشاف والإنتاج في بعض المناطق المحظورة حالياً مثل بعض أجزاء ولاية ألاسكا، وأغلب المناطق الساحلية، وبعض الأراضي الفيدرالية. أما العراق فإنه الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع مضاعفة إنتاجها أو أكثر خلال فترة قصيرة (خمس إلى عشر سنوات)، إلا أن هذا مرتبط بالاستقرار السياسي، وسياسة وأنظمة الحكومة تجاه الاستثمارات والصناعة البترولية.
وبشكل عام فإنه من المتوقع وبالذات في حالة ارتفاع الأسعار ما بين 70 و80 دولاراً للبرميل توازن العرض والطلب خلال السنوات العشر المقبلة، مع وجود طاقة إنتاجية فائضة لدى دول "الأوبك" تراوح بين مليونين وأربعة ملايين برميل يوميا.
العرب والتطورات البترولية العالمية
العرب في قلب الصناعة والتطورات البترولية الدولية بجوانبها السلبية والإيجابية. فالإنتاج العربي من البترول يصل إلى أكثر من 25 مليون برميل يوميا – أو نحو 28 في المائة من الإنتاج العالمي – ونسبة البترول العربي في تجارة البترول عالمياً تصل إلى أكثر من 40 في المائة. وتعتمد اقتصادات الدول العربية المنتجة بشكل كبير على البترول، وإن اختلفت درجة ذلك الاعتماد من دولة إلى أخرى. وحتى الدول العربية غير البترولية، فإنها هي الأخرى تتأثر بالتطورات البترولية، من حيث مستوى الاستثمارات العربية البينية، وتحويل العمالة، والمساعدات من الدول العربية البترولية.
ويرى بعض الخبراء أن البترول، وبالذات عند ارتفاع أسعاره، يؤثر سلباً في الدول المنتجة، من حيث انعدام أو تباطؤ حركة الإصلاح الاقتصادي، وحتى الإداري والسياسي، وأن الاعتماد على البترول أسهم في عدم توسع الاقتصادات العربية إلى مجالات أخرى كالصناعة، والتجارة، وقطاع الخدمات، وغيرها.
وبغض النظر عن مدى صحة هذه الآراء من عدمها، إلا أن الواضح أن الدول العربية، وبالذات البترولية منها، في حاجة ماسة إلى التوسع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتقليل اعتمادها على البترول، الذي يعد سلعة غير مستقرة من حيث الأسعار ومن حيث الإنتاج. وهذا يؤدي إلى عدم استقرار اقتصاداتها على النطاقين المتوسط والطويل، وسهولة تعرضها لهزات اقتصادية مرتبطة، ليس بالوضع الاقتصادي المحلي، بل بأسعار البترول في السوق العالمية، وهو أمر يصعب التحكم فيه.
أما القضية الأخرى، التي لها أهمية خاصة، فتتعلق بأسعار المنتجات البترولية داخل الدول العربية المنتجة للبترول . وعلى الرغم من تفاوت أسعار المنتجات البترولية بين الدول العربية، إلا أنها في الغالب غير مرتبطة بالأسعار العالمية للزيت الخام أو أسعار المنتجات، حيث تثبتها الحكومات بأسعار منخفضة ومن منطلقات غير اقتصادية.
على سبيل المثال يراوح سعر البنزين في دول "الأوابك" (ماعدا سورية وتونس) ما بين 31.4 سنت للتر كحد أعلى و12 سنتاً كحد أدنى، بينما السعر في السوق العالمية نحو 65 سنتاً للتر، وفي بعض الدول الصناعية (بعد إضافة الضرائب) فإن السعر يصل إلى دولارين للتر. وقس على ذلك أغلب المنتجات البترولية. كما يصل سعر البترول الخام المباع محلياً لغالبية الصناعات في بعض الدول العربية إلى أقل من عشرة دولارات، وفي وقت كان السعر العالمي أكثر من 140 دولاراً للبرميل. كما حدث في شهر تموز (يوليو) في العام الماضي.
هذا التباين الكبير في الأسعار بين الدول العربية من ناحية، وبين أغلب الدول العربية والسوق العالمية من ناحية أخرى، مع عدم وجود سياسات واضحة لاستخدام وترشيد الطاقة، أوجد وضعاً يؤثر سلباً في الاقتصادات العربية، وبالذات على المدى الطويل. ولعـل من أهم التأثيـرات السلبية لانخفاض أسعار المنتجات البترولية وتفاوتها الآتي:
إضعاف فرص التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، حيث إن التباين الواضح في أسعار المواد الرئيسة كالبترول يعوق فرص التكامل الاقتصادي ليس فقط على مستوى الوطن العربي ككل، بل حتى التكامل بين دولتين فقط، أو مجموعة من الدول، كمجلس التعاون الخليجي.
انتشار حركة تهريب المنتجات البترولية بين الدول العربية. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة لحركة التهريب، إلا أنه من المؤكد انتشارها بشكل كبير، كما يشير عديد من التقارير. وعمليات التهريب بين الدول تسهم في انتشار الفوضى والفساد، ولها تأثيراتها السلبية في اقتصادات الدول المهرّب منها والدول المهرّب إليها.
انخفاض أسعار المنتجات والمواد الأساسية كالطاقة والماء يؤدي إلى ارتفاع الاستهلاك بشكل غير اقتصادي، وما يصاحبه من إهدار للثروة، وانتشار العادات السلبية السيئة، وعدم الاهتمام بالتوفير، وضعف الإحساس الوطني، ما ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي المحلي ونموه .
يؤدي نمو الاستهلاك المحلي نتيجة انخفاض الأسعار بشكل غير اقتصادي وغير منتج، إلى انخفاض الصادرات البترولية، الذي يعني انخفاض الدخل من تصدير البترول، وتأثيراته السلبية في دخل الدولة، ودخل الوطن، وبالذات على المدى الطويل، حيث إن كل برميل من البترول يتم توفيره، له عائد مباشر للمواطن حالياً وللأجيال المقبلة.
نتيجة لهذه السلبيات الواضحة من انخفاض أسعار المنتجات البترولية محلياً، وتباينها في الوقت نفسه بين الدول العربية، فإنه من الضروري إيجاد حل لهذه المشكلة، ولعل من أفضل الحلول ربط أسعار المنتجات البترولية محلياً بالأسعـار في السوق العالمية، مع التفريق بين المنتجات المستخدمة في الصناعات التي تسهم في إعطاء قيمة مضافة ذات مردود واضح على الاقتصاد الوطني ومقدرته التنافسية عالمياً، ومن خلال استغلال الميزة النسبية، وتلك الخاصة بالاستهلاك العـام التي يصاحبها الهدر، ولا تخلـق أي قيمة مضافة ولا تُسهم في نمو الاقتصاد المحلي.
خاتمــة
تمر الصناعة والسوق البترولية العالمية في الوقت الحاضر بأصعب أيامها، التي يمكن تلخيصها في التذبذب الحاد في الأسعار، المضاربات، الأزمة الاقتصادية العالمية، تحديات البيئة، قضايا الإمدادات والطلب، المعلومات الضعيفة، وتغيرات خريطة الاستهلاك العالمي، بما في ذلك وصول الاستهلاك في الدول الصناعية إلى ذروته وبداية انحداره.
وعلى الرغم من هذه القضايا والتحديات، إلا أنه من المتوقع أن يعود البترول إلى عافيته مع انحسار الأزمة الاقتصادية الحالية، وعودة الاقتصاد العالمي إلى النمو، الذي سيؤدي بدوره إلى الارتفاع في الطلب مع تحسن الأسعار. وبالطبع، فإنه من الصعب تحديد توقيت زمني لحدوث ذلك، وأقرب تقدير لذلك هو نهاية صيف هذا العام، إلا أن غالبية التقديرات تشير إلى العام المقبل 2010.
وبالنسبة إلى الدول العربية، فإنه من المفترض أن تستفيد من هذه الأزمة بتوسعة اقتصاداتها بعيداً عن البترول، وتقنين الاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية، من خلال ربط أسعارها بالسوق العالمية، ما عدا ما يخص الصناعات ذات القيمة الفعلية المضافة.