شن حرب اقتصادية على شاكلة برامج الألعاب محكوم بالفشل
يسعى المفاوضون الآسيويون إلى منح ترمب انتصارات إعلامية يحبها دون تقديم تنازلات ذات أثر.
وعود واهية الأثر نجحت فيما مضى لإطفاء سياسات حارقة أطلقتها إدارة ترمب الأولى
- تبدو الإدارة الأمريكية ضئيلة المعرفة بتعقيدات التجارة العالمية لذا يسهل الالتفاف على حربها.
لو طرحت سؤالاً سخيفاً سيكون الجواب على شاكلته. حين اعتمد الرئيس دونالد ترمب صيغةً غير مدروسة طُرحت قبيل نشرة أخبار المساء ليعلن حرباً اقتصاديةً، وجّه إشارة بيّنة إلى المفاوضين التجاريين في الدول الأخرى، مفادها أن أفضل فرصة لديكم للتخلص من هذا الرجل هي منحه العناوين الرئيسية البسيطة التي يتوق إليها.
يجدر أن نستحضر هذا فيما يرشح رد فعل العالم على هذه الحملة الحمائية خلال الأيام والأسابيع المقبلة. سيبحث الساسة الحذقون عن سياسات تُرضي غرور ترمب كصانع صفقات، من دون تقديم أي من التنازلات المؤلمة التي تُشكّل عادةً جوهر اتفاقيات التجارة الحقيقية.
إن التعقيد اللامحدود للتجارة الدولية يُتيح فرصاً كثيرة لتحقيق ذلك. ويبدو أن إدارة ترمب لا تملك إلا معرفةً سطحيةً بالموضوع، لذا فإن احتمالات خداعها عالية.
دعونا نأخذ فيتنام مثالاً على ذلك. كما كتب زميلي دانيال موس، تبدو فيتنام الخاسر الأكبر في قائمة ترمب للرسوم الجمركية، إذ فُرضت عليها رسوم قدرها 46% على ربع ناتجها المحلي الإجمالي المعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة.
فلا عجب إذاً أن تكون فيتنام من أوائل الدول التي انحنت مبديةً استسلاماً واضحاً لواشنطن. فقد وعدت بإلغاء جميع رسومها الجمركية على السلع الأمريكية مقابل إرجاء ترمب فرض قيوده التجارية.
وعرضت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين يوم الإثنين الماضي، صفقة مماثلة لإلغاء الرسوم الجمركية على السلع الصناعية الأمريكية، مقابل أن تفعل واشنطن ذلك أيضاً.
انتصار ظاهري
يبدو هذا انتصاراً سريعاً لحركة "لنعد لأميركا عظمتها"، وتأييداً لرأي ترمب القائل بأن الإدارات السابقة افتقرت ببساطة إلى الشجاعة الكافية لإخضاع العالم لإرادتها. لكن بالنظر إلى تاريخ السياسة التجارية الفيتنامية، يتضح أن تلك الدولة تفعل ببساطة ما كانت تدفع نحوه على مرّ عقود، بينما تُزيّنه بشكل يرضي الشعبوي في واشنطن.
تفاوضت فيتنام على أول اتفاقياتها التجارية الثنائية مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس بيل كلينتون. في العقد الثاني من القرن الـ21، كانت هذه الاتفاقية ركيزة أساسية للجهود الفاشلة في نهاية المطاف لربط واشنطن بالاقتصادات الآسيوية من خلال اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. كما وقّعت فيتنام اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، وسعت جاهدةً لإبرام اتفاقية إضافية مع واشنطن.
تسهم هذه الاتفاقيات في انفتاح سريع لاقتصادها. إن الرسوم على ثلاثة أرباع واردات فيتنام من الولايات المتحدة تقل عن 5%، وقليل منها فقط -مثل التبغ والسكر والمشروبات الكحولية- رسومها كبيرة.
وعدت فيتنام بموجب اتفاقياتها الحالية مع الاتحاد الأوروبي واتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، الذي نشأ عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، بإلغاء الرسوم الجمركية على جميع المنتجات تقريباً بحلول 2029.
إن توسيع نطاق هذه الالتزامات الحالية لتشمل الولايات المتحدة - وهو أمر كانت فيتنام تسعى نحوه إلى أن سحبت إدارة ترمب الأولى أمريكا من الشراكة عبر المحيط الهادئ - ليس تنازلاً كبيراً.
التجربة الهندية
سبق أن شاهدنا هذا الفيلم حين اتفقت الولايات المتحدة والهند في 2007 على خفض حماية الواردات على المانجا والدراجات النارية على التوالي، فانطلقت موجة من عناوين الأخبار الإيجابية. أنشأت شركة "هارلي ديفيدسون" مصنعاً في البلاد، ووُعِد المزارعون الهنود بسوق تصدير نابضة لثمارهم النضرة.
بعد ما يقرب من عقدين، باتت عناوين الأخبار الإيجابية ذكريات فيما لم يحدث تغيير كبير. إن دراجات هارلي ديفيدسون ببساطة كبيرة ومكلفة جداً بالنسبة للسوق الهندية، وقد أغلقت الشركة إنتاجها المحلي في 2020، بينما ما تزال المانغا الهندية لا تلقى رواجاً في الولايات المتحدة.
إن هذا مؤشر على ضآلة التقدم المُحرز، لكن عندما التقى ترمب ورئيس الوزراء ناريندرا مودي في فبراير، هل لكم أن تتوقعوا إحدى الرسائل الرئيسية التي صدرت عن هذا اللقاء؟ وعد بزيادة التجارة في المانغا والدراجات النارية.
توقعوا أن تروا كثيراً من الاتفاقيات على شاكلة هذا النموذج. قد تكون تفاصيل الصفقات التجارية غامضة ومربكة للجميع باستثناء الخبراء. لكن واشنطن تستطيع أن تستعرض إعلاناً لافتاً للأنظار على أنه فوز يوفر فرصة مثالية لإدارة ترمب للنهوض من الفوضى المُدمرة التي أطلقتها موجة الرسوم الجمركية في 2 أبريل.
ادعاء الانتصار يكفي
هذا يشبه بقدر كبير ما شاهدناه في 2020 حين أنهى ترمب حربه التجارية التي استمرت عامين على الصين بما وصفه باتفاقية "بالغة الأهمية" و"تاريخية"، وبموجبها ستزيد بكين وارداتها من الولايات المتحدة بمقدار 200 مليار دولار.
قد يكون هذا النموذج - الذي يركز على هوس ترمب الرئيسي بالعجز بدل التعقيدات اللانهائية للرسوم الجمركية - أكثر قبولاً لدى البيت الأبيض. كما يسهل التوقيع عليه ثم تجاهله: عملياً، لم تحقق الصين سوى نحو 58% من الأرقام الموعودة، حتى مع ازدهار وارداتها من بقية العالم.
سيعمل المفاوضون التجاريون في الدول الآسيوية الأكثر تضرراً من إعلان 2 أبريل، بجد لإيجاد طرقٍ لمنح ترمب عناوين الصحف، دون تقديم أي تنازلاتٍ جوهرية، فقد أظهر لهم سهولة التحايل عليه حين استهل المفاوضات عبر عرضٍ كهذا.
إن كنت ستخوض حرباً اقتصاديةً كما لو كنت تدير برنامج ألعاب، فتوقع ألا تحصل في النهاية إلا على جائزة ترضية.
خاص بـ "بلومبرغ"