حماية حقوق المؤلف

ظهرت الحاجة في العصر الحديث إلى تنظيم حقوق المؤلف بعد اختراع المطبعة التي أمكنها طبع الآلاف من النسخ للمصنف الواحد، وكانت فرنسا هي البادئة بحماية حق المؤلف عندما أصدرت في 13/1/1791م قانون حماية مؤلفي المسرحيات، ثم تلتها إنجلترا عام 1810م، ثم أمريكا عام 1831م.
وقد أدركت معظم الدول أهمية حماية حق الملكية الفكرية فأصدرت قوانين وأنظمة خاصة بذلك، ومع زيادة التعامل على المستوى الدولي قامت الحاجة لحماية حق الملكية الفكرية على الصعيد الدولي، ومن ذلك عقد اتفاقية بيرن في 19/9/1886م بين عدد كبير من الدول لحماية حق المؤلف، ثم أنشئ اتحاد بين الدول الموقعة على الاتفاقية للعمل على تحقيق أغراضها، ثم أنشئ مكتب دولي يتبع حكومة الاتحاد السويسري سمي "مكتب الاتحاد الدولي لحماية المؤلفات الأدبية والفنية"، وعقدت العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف لحماية الملكية الفكرية، وعقدت العديد من المؤتمرات الدولية لتوسيع نطاق تلك الحماية.
وقد أنشئت عام 1974م المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية، كإحدى الوكالات المتخصصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وهي منظمة دولية حكومية بها 175 دولة عضواً في المنظمة، ومقرها جنيف، وتوسعت هذه المنظمة في دورها عندما دخلت في اتفاقية تعاون مع منظمة التجارة العالمية منذ عام 1996م.
وتعمل المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية على تنمية حماية الملكية الفكرية عبر العالم بالتعاون مع الدول، وإدارة الاتفاقيات المتعددة الأطراف المتصلة بالأوجه القانونية للملكية الفكرية.
وفي السعودية صدر نظام متقدم للغاية بخصوص الملكية الفكرية هو نظام حماية حقوق المؤلف الموافق عليه بقرار مقام مجلس الوزراء رقم 85 وتاريخ 6/4/1424هـ، والمتوج بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/41 وتاريخ 2/7/1424هـ. وبناء على موافقة مقام مجلس الوزراء رقم 180 وتاريخ 4/7/1424هـ صدر المرسوم الملكي رقم م/48 وتاريخ 12/7/1424هـ بموافقة المملكة على الانضمام إلى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المؤرخ في 20 آذار (مارس) 1883م والمعدلة في استكهولم في 14/7/1967م واتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية المؤرخة في 24/7/1971م والمعدلة في 2/10/1979م التابعتين للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ديبو) مع تحفظين يتعلقان بالمنتجات والمصنفات التي تحظرها الشريعة الإسلامية.
وحق المؤلف مصطلح لصيق للحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنفاتهم الأدبية والعلمية والفنية بمجرد ابتكارها ويشمل ذلك كافة المصنفات، ويعد هذا الحق عنصراً أساسياً في عملية التقدم الإنساني في صوره المختلفة، وحماية هذا الحق لا قيمة له إلا إذا حقق للمؤلف منافع من مصنفه أو عمله، وحقق استفادة للجمهور.
وحق المؤلف يحمي المؤلف الأصلي من أعمال النسخ وإعادة الطبع وأعمال التقليد غير المشروعة.
ولذا يحمي نظام حماية حقوق المؤلف المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم، أياً كان نوع هذه المصنفات، أو طريقة التعبير عنها، أو أهميتها، أو الغرض من تأليفها، مثل المواد المكتوبة، والكتيبات والمقالات وغيرها، والمصنفات التي تلقى شفهياً كالمحاضرات والخطب والأشعار والأناشيد وما يماثلها، وتشمل الحماية كذلك عنوان المصنف إذا كان متميزاً بطابع ابتكاري، ولم يكن لفظاً جارياً للدلالة على موضوع المصنف. كما يحمي هذا النظام أيضاً المصنفات المشتقة مثل مصنفات التلخيص أو الشرح أو التحقيق أو غير ذلك من أوجه التحرير.
ووفقاً للمادة الثالثة والثلاثين من اللائحة التنفيذية للنظام تتمتع بالحماية الواردة في النظام واللائحة جميع المصنفات سواء كانت أدبية أو علمية أو فنية، أياً كان نوعها ما دام مسموحاً بتداولها في المملكة، كما تتمتع المصنفات الفكرية الأجنبية بالحماية وفق ما تحدده مبادئ الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحق المؤلف التي تكون المملكة عضواً فيها وفقاً لمبدأ المعاملة الوطنية.
شرطي حماية حقوق المؤلف
ولكي يتمتع المصنف بحماية النظام يجب أن يستوفي ركناً شكلياً وآخر موضوعياً، ويتمثل الركن الشكلي في أن يكون المصنف قد أفرغ في صورة مادية يبرز فيها إلى الوجود, ويكون معداً للنشر في إحدى صور التعبير كالكتابة. أما الركن الموضوعي فهو أن يكون المصنف قد انطوى على شيء من الابتكار حيث يستبين منه أن المؤلف قد خلع عليه شيئاً من شخصيته، ويكفي في هذا الصدد أي قدر من الابتكار، ولكن ليس من الضروري أن يستحدث الابتكار جديداً، فالجدة لا تشترط في الابتكار, إذ يكفي أن يصفي المؤلف على فكرة – ولو كانت قديمة – شخصيته وأن تتميز بطابعه حتى يكون هناك ابتكار يحميه النظام.
حقوق المؤلف الأدبية والمالية
وللمؤلف في هذا النظام حقوق أدبية (أو معنوية أو شخصية) على مصنفه، وحقوق مالية، والحقوق الأدبية للمؤلف هي الحقوق اللصيقة بشخص المؤلف ولها الأولوية والأسبقية عن الحقوق المالية المقررة له، لأنها ليست فقط ما يعنى به النظام, ولكن لأنها تتمتع بمدى أوسع من الحقوق المالية، وهذه الحقوق الأدبية هي الحق في نسبة المصنف لمؤلفه بذكر اسمه على كل نسخة منه، وحق تقرير نشر المصنف وتحديد طريقة ذلك، وحق الاعتراض على نسخه أو طبعه أو اقتباسه أو تعديله أو تلخيصه، والحق في الاعتراض على أي تعديل على المصنف ومنع أي حذف أو تغيير أو إضافة أو تحريف أو تشويه أو كل مساس آخر بذلك المصنف أياً كان نوعه، والحق في إدخال ما يراه المؤلف من تعديل أو إجراء أي حذف على المصنف، والحق في سحبه من التداول.
وهذه الحقوق الأدبية أبدية للمؤلف ولا تقبل التنازل ولا تسقط بالتقادم وتبقى لصاحبها، ولا تسقط بمنح حق استغلال المصنف بأي وجه من وجوه الاستغلال، كما أن هذه الحقوق الأدبية تؤول إلى ورثة المؤلف، فإن لم يكن له وارث آلت إلى وزارة الثقافة والإعلان.
أما الحقوق المالية للمؤلف على مصنفه فتتمثل في الحق في استغلال المصنف بأي صورة من الصور مثل طبعه ونشره وترجمته ونقله إلى الجمهور بأي وسيلة ممكنة، وجميع أشكال الاستغلال المادي للمصنف بوجه عام.
وحقوق المؤلف المنصوص عليها في النظام قابلة للانتقال كلها أو بعضها، سواء بطريق الإرث أو بالتصرف النظامي الثابت بالكتابة، وتمتد حماية حقوق المؤلف لتشمل المؤلفين السعوديين وغير السعوديين.
اسـتثناءات
وتعد مشروعة أوجه استخدام المصنف التالية وذلك دون الحصول على موافقة أصحاب حقوق المؤلف:
1- النسخ للاستعمال الشخصي .
2- الاستشهاد بفقرات من المصنف، بشرط أن يكون الاستشهاد متمشياً مع العرف، وأن يكون بالقدر الذي يسوغه الهدف المنشود، وبشرط ذكر المصدر (المصنف) واسم المؤلف، وينطبق ذلك أيضاً على الخلاصات الصحافية المنقولة من الصحف والدوريات (المادة 15/2 من النظام).
والعرف الذي استقر في أمر الاستشهاد من مصنف، هو أن يكون الاستشهاد في حالة النقل بالنص بين قوسين, ويشترط أن يكون ما تم نقله لا يزيد على ستة أسطر، وأن يكون الاستشهاد في حالة النقل بالمعنى، فيما لا يزيد على نصف صفحة، مع ذكر اسم المصنف واسم مؤلفه في الحالتين.
3- الاستعانة بالمصنف للأغراض التعليمية على سبيل الإيضاح وفي حدود الهدف المنشود، وتصوير نسخة أو نسختين للمكتبات العامة أو مراكز التوثيق غير التجارية وبشروط ... إلخ.
وتمتد حماية حق المؤلف في النظام لتشمل المؤلفين السعوديين وغير السعوديين، ووفقاً للمادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية للنظام يعد تعدياً على المصنف كل استخدام له يتخطى مفهوم الاستخدام الشخصي في مثل الحالات التالية:
1- استخدام ونسخ المصنف أو الاستعانة به واستغلاله لأداء مهام وظيفية.
2- استخدام المصنف لأغراض تجارية أو استهداف الربح.
3- استخدام المصنف بطرق لا يسمح بها المؤلف.
4- تأجير المصنف أو استنساخه أو السماح إلى آخرين باستنساخه بحجة امتلاك نسخة أصلية منه.
5- أي تصرفات تعوق المؤلف من ممارسة حقه الأدبي أو المالي.
ووفقاً للمادة الحادية عشرة من اللائحة التنفيذية للنظام يعد متعدياً على حق المؤلف كل من يحصل على نسخة أصلية لأي مصنف فكري ويقوم باستغلاله، أو أعاد إنتاج مصنف محمي، أو باعه أو نشره، وتعد المنشآت مسؤولة عن أي مخالفة يرتكبها أحد العاملين بها على أي مصنف فكري إذا ثبت علمها أو تقصيرها.
ولذا، إذا قام أي شخص طبيعي أو اعتباري بنشر مصنف غير مملوك له، أو نشره مدعياً ملكيته، أو دون الحصول على إذن كتابي من المؤلف، أو نقل منه، أو نقل أو نسخ المقالات المنشورة في الصحف والدوريات عن موضوعات جارية دون ذكر المصدر بوضوح واسم المؤلف، أو نسخ الخطب والمحاضرات والمرافعات القضائية أو غيرها من المصنفات المشابهة على الجمهور، أو نقل مقتطفات صغيرة سبق نشرها دون ذكر اسم المصدر واسم المؤلف كان متعدياً على الحقوق التي يحميها النظام ويعاقب بعقوبة أو بأكثر من العقوبات الواردة في المادة الثانية والعشرين من النظام، إضافة إلى التعويض المالي.
ويقع على عاتق اللجنة المختصة بالنظر في المخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام حماية حقوق المؤلف مراعاة أن تكون العقوبات التي تقررها للمخالفات الواردة في هذا النظام كافية لمعاقبة المخالفين، ولردع وزجر غيرهم حتى لا يرتكبوا مثل تلك المخالفات.
وإضافة إلى حق المؤلف في اللجوء إلى اللجنة بعاليه يحق له اللجوء إلى المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي