المشهور مذكور.. والمغمور مزبول
المشاهير في كل مجال هم الذين يسبح الإعلام في فلكهم مسجلا حركاتهم وسكناتهم ومذكراتهم التي يندر فيها الصدق وتكثر فيها المبالغات وتزوير التاريخ لتعطي أحيانا عند بعض القراء انطباعات ربما تؤثر في اتجاهاتهم وبالتالي تؤثر في سلوكهم.. بينما "المغمورون" المساكين مدفونون هم وتاريخهم في عالم النسيان.. حتى لو غامر ناشر وقام بنشر مذكرات "مغمور" فإن تلك المذكرات سيتردد فيها الشكوى المتواترة من الإفلاس ثم من (الحظ العاثر) ومن خيانة (الخلان)... وبمناسبة خيانة "الخلان" تلك الظاهرة التي تندر أن يعاني منها (مشهور).. حيث يتحول خلان المشهورين والذين عندهم استعداد للخيانة إلى منافقين محترمين.. ونذكر على سبيل المثال شكوى الشاعر أبن الرومي من خيانة الخلان عندما قال:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
كما نذكر نصيحة الإمام الشافعي في قوله:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفــا فدعه ولا تكثر عليه التأســـفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
والذي شكا أيضا من خيانة (الخلان) الشاعر ابن أبي حصينة عندما قال:
على زمن قد علّم الغدر أهله فلا تعتمد منهم على من تعاقده
فكم من صديق عاد لي بعد برهة عدوا ودبت تحت جنبي أساوره
وجل الشعراء والكتاب شكوا من خيانة (الخلان) لذلك تجد مذكرات "المغمور" تغص بالشكوى مرددا قول ابن المعتز:
يا دهر ما أبقيت لي من صديق عاشرته دهرا ولا من شفيق
تأكل أصحابي وتفنيهــــم ثم تلقاني بوجه صفيـــق
ومتذكرا قول ابن الوردي:
كم من صديق صدوق الود تحسبه في راحة ولديه الهم والنكد
وقول حفني ناصف:
وكم من أخ يشكو وفاء صديقه ورب صديق كالزمان خؤون
وسيذكر أيضا قول الشاعر الشعبي محمد القاضي الذي قال:
إلى أبصرت بالدنيا تكدّر لي الصافي وتعذر زماني ما حصل صاحب صافي
وسيخطر على باله قول الشاعر الأحيمر السعدي:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى وصوت إنسان فكــدت أطيــر
وإضافة للشكوى من خيانة الخلان.. فالمغمور البيروقراطي في مذكراته يشكو من (قسوة المدير) وتأخر (الترفيع) وإذا شكا ليس له (سميع) ... أما المغمور (في القطاع الخاص) فيشكو من الإرهاق بسبب كثافة العمل.. أو سيشكو "من تكرار الإنذارات" ومن الفصل التعسفي... والشكاوى كثيرة... في أكثر مجالات الخيانة المختلفة... ولا يهدأ المغمور إلا إذا تذكر قول الله عز وجل (لقد خلقنا الإنسان في كبد) .. ثم الصبر... ثم القبر.