السعوديون وإعادة التقييم للدولار

[email protected]

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل .. بصبح وما الإصباح منك بأمثل! لا إشراق يرنو في الأفق القريب لفارس النقد العالمي (الدولار)، الذي ما زال يبحث عن هاوية جديدة لينخفض أمام العملات العالمية، بعد أن تكاثرت عليه المشكلات الداخلية من العجز الداخلي والرهن العقاري والدين الخارجي.
وكتبتُ مرتين في هذا الموضوع، الأولى حين تنبأت بسقوط الدولار في نهاية عام 2006 بناء على تقرير علمي لـ (يورب 2020)، وأدبني اقتصادياً العم وهيب بن زقر بمقالة عصماء عن أهمية (الدولار) عالمياً. والثانية حين اضطررت إلى ذكر أهمية إعادة تقييم الدولار في مقالي عن الريال والتضخم، وذكرت أنه لا فائـدة من النقاش والحديث في هذا الموضوع مع وزارة المالية أو مؤسسة النقد السعودي، لاقتناع الجهتين المسؤولتين في الوطن بعدم جدواه اقتصادياً على المدى الطويل، ولكن زميلي الدكتور مقبل الذكير والأستاذ تركي فدعق عقبا عليَّ بنظرة اقتصادية ومالية وبشرح مفصل وقولهما إن هناك فرقا بين فك الارتباط بالدولار أو إعادة تقييم الريال مقابل الدولار.
أولاً: إن طلب فك الارتباط بالدولار يقتضي وجود بديل عالمي ترتبط به العملة الوطنية مثل (سلة عملات), كما أن فك الارتباط بالدولار قرار سياسي تحكمه البدائل السياسية والاقتصادية والإقليمية لذلك هنالك توجه قوي من القيادة السياسية في الخليج العربي لإنشاء عملة موحدة ، لأن فك الارتباط بالدولار يحكمه بدرجة رئيسة هيكل الاقتصاد الوطني للدولة ذات العلاقة، والاقتصاد السعودي يعاني اختلالات منها أن الصادرات السلعية النفطية ستشكل ما نسبته 88 في المائة من إجمالي الصادرات، كما جاء في ميزانية عام 1427/1428 واعتماد الدولة على إيرادات النفط بشكل رئيس.
ثانياً: الأهم هو إعادة تقييم الريال مقابل الدولار، وهذا الأمر لا يلغي الارتباط به، وهذه الخطوة لها إيجابيات منها تقليل تكلفة الاستيراد لأن الريال ستزيد قيمته مقابل الدولار، ولكن على الجانب الآخر لها سلبيات منها أنه ستقل جاذبية استقطاب الاستثمارات الأجنبية, هذا بخلاف تأثير هذه الخطوة في الحسابات الحكومية.
هنا نقول وبعد التقارير والآراء الاقتصادية، إن المجتمع السعودي يطمح إلى إعادة التقييم، بل مستعد لتحمل أي نتائج عكسية لهذا القرار الوطني, ومهما كانت النتائج التي ستنعكس علينا إيجابا أو سلباً. لأن الدلائل تؤكد أن قيمة الدولار المتداول عالمياً لا يزال أعلى بكثير من قيمته الحقيقية، والعجز الأمريكي في تفاقم وصل في نهاية 2007 إلى 800 مليار والمديونية العامة تزيد على تسعة تريليونات دولار، فمن سيسدد هذا العجز الهائل؟

لا أعتقد أن هناك حلولاً داخلية في أمريكا، لا عن طريق زيادة الضرائب لأنهم في حالة انتخابات رئاسية هذا العام، ولا عن طريق طرح سندات الخزانة وبيعها، فقد أصبح هذا حلا مؤرقا للأمن القومي بعد أن تحولت المديونية الأمريكية بيد (الصين ودول جنوب آسيا )، ولا عن طريق الاستثمار, حيث فشلت الجهود الأخيرة للإدارة الأمريكية في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، بسبب قانون محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي.

الحل الوحيد بالنسبة إليهم، هو طباعة المزيد من الدولارات وهي (السياسة) الاقتصادية للبيت الأبيض، والتي تريد من العالم أن يتحمل أخطاءهم ودفع الجزء الأكبر من أعبائها المالية، خاصة العمالقة الجدد في آسيا، مثل اليابان, الصين, والهند وبدعم اقتصادي من "أوبك" بتسعير نفطها بالدولار الأمريكي.

هذا الموضوع يجدد في الأذهان اجتماع وزراء مالية 44 دولـــة في مصيف (بريتـون وودز) الأمريكي عام 1944، حين قرروا ربط عملتهم بالدولار الأمريكي، وربط الدولار بالذهب بسعر 35 دولاراً لكل أونصة ذهب، ولكن بعد مرور السنوات أدى تجمع مليارات الدولارات خارج أمريكا وبات حدوث أزمة خطيرة لو أصر أصحاب الدولارات على تقديمها للخزانة الأمريكية ليستبدل الذهب بها، هذه الظاهرة أقلقت البنوك المركزية التي كانت تمتلئ خزائنها بالدولارات، فأعلن البنك المركزي الألماني رفضه قبول أي دولارات إضافية, ما أدى إلى أزمة أغلقت خلالها الأسواق المالية في كل من ألمانيا, هولندا, بلجيكا, سويسرا, والنمسا في أيار (مايو) 1971، واستشعاراً بخطورة الموقف، سارعت إدارة الرئيس نيكسون إلى فك الارتباط بين الدولار والذهب في آب (أغسطس) 1971، وإلغاء اتفاقية بريتون وودز.
بعدها خاطب الرئيس نيكسون العالم وقال إن (الدولار) عملتنا وعملة العالم أجمع وتلك مشكلتكم معنا! الوحيدون الذين تفهموا هذه العبارة جيداً هم الدول الأوروبية، فمنذُ ذلك الوقت عملوا باستراتيجية التعاون وتوحيد الصفوف، وبدأوا مشواراً طويلا امتد ربع قرن، فكان ردهم تأسيس الاتحاد الأوروبي وتوحيد عملتهم تحت اسم (اليورو).
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ العربي دائماً: ما دام وضع الدولار هشاً وضعيفاً فلماذا لم ينهر حتى الآن؟ والإجابة هي (النفط) يا عزيزي! لأنه عصب الحياة لكل الدول الصناعية في العالم الحديث، ومنظمة "أوبك" مسعرة نفطها بالدولار فقط، وطالما استمر الحال على هذا المنوال، فليس من المتوقع أن تصبح أي عملة أخري كاليورو عملة رئيسة ، فقد حاولت ثلاث دول سابقا تسعير وبيع نفطها باليورو وفشلت، وهي العراق الذي اُحتل، ثم إيران التي حوصرت اقتصادياً وسياسياً، وأخيراً فنزويلا التي أصابها الفتن والقلاقل.
ختاماً التصريح الأخير لعبد الله البدري الأمين العام لمنظمة "أوبك"، أن المنظمة قد تتخلى عن الدولار، وربما يتم تسعير النفط باليورو مستقبلاً، هذا التصريح يجب أن يدعم سياسياً من الشعوب المنتجة للنفط، والدلائل الاقتصادية تشير إلى أن الدولار تعدى شفير الانهيار, وفقد الدولار الأمريكي مقابل اليورو من تشرين الأول (أكتوبر) 2000 حتى الأسبوع الأول من شباط (فبراير) 2008 مقدار 81.7 في المائة، ومن المنطقي أن نتساءل لماذا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة معهم ما دام سقوط الدولار مجرد وقت لا أكثر؟!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي