مهارة التعامل مع وسائل الإعلام
تطالعنا الصحف بين الحين والآخر بمقابلات مع بعض المسؤولين في القطاع العام أو الخاص يجري الحديث فيها عن مختلف المواضيع التي تهم المواطنين، وما أن يصل الموضوع إلى الكلام عن الانتقادات التي توجه لأداء المؤسسة إلا ويبدأ المسؤول بفقد شيء من مقدرته على الإقناع، ليس لأن هذا المسؤول لم يعترف بوجود أخطاء يجب العمل على معالجتها، ولكن لأن الاعتراف بالخطأ لم يكن كاملا وخاليا مما يشوبه من مبررات، فالاعتراف بالخطأ أمر جيد يعطي مؤشر إلى أن هناك عملا ما سوف يتم تصحيحه إلا أن هذا الاعتراف يصبح محل شك في جديته إذا سبقه كلام يفهم من مضمونه محاولة الدفاع عن المواقف، حتى وإن لم يقصد المتكلم ذلك، كما جاء في إجابة أحد المسؤولين على سؤال تطرق لبعض الملاحظات التي يرددها الناس عن أداء العمل في المؤسسة التي يشرف عليها، فبدأ كلامه ببيت من الشعر يقول "ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها .. كفى المرء نبلا أن تعد معايبه". وقد لا يوفق المسؤول في اختيار العبارة المناسبة أو التوقيت الملائم للتصريح فيذكر أنه غير قلق من أمر ما، بينما معظم الناس مشغولون بتداعياته، أو أن يدلي بتصريح في توقيت يبحث فيه الناس عن حلول حاسمة وجذرية فيبدأ بتوزيع النصائح والاقتراحات التي على الآخرين العمل بها ويعفي نفسه من اتخاذ أي إجراء، فهذا الكلام الذي جاء في سياق مقابلة صحفية طويلة أو هذه العبارات التي ذكرت في تصريح مقتضب وقيلت على عجل نسفت كل ما جاء بعدها أو قبلها من كلام قصد به طمأنة جمهور القراء إلى إن الأمور في طريقها للتحسن، فالمسؤول من غير لا يدري أرسل رسالة غير واضحة أربكت المتلقي فلم يقتنع بمضمون الرسالة، أو أن يكون الكلام قد جانبه الصواب كليا ففهم المتلقي عكس ما أراد المسؤول حينها يكون الموقف ازداد سوءا عن ذي قبل لأنه أكد مفهوم خاطئ كان المطلوب نفيه أو تغييره.
مشكلتنا نحن العرب أنه بالرغم من أننا أصحاب بلاغة لغوية في الشعر والخطابة منذ العصر الجاهلي، إلا أن البعض منا في عصر الثورة الإعلامية لا يمارس درجة كافية من الحذر في التعاطي مع المفردات عند الحديث إلى وسائل الإعلام، فيستخدم بعض العبارات التي لا تخدم الغرض الذي يرغب في تحقيقه. لذلك نجد أن أحدا من المسؤولين عندما يقرر مخاطبة الرأي العام من خلال وسائل الإعلام ويدلي بتصريح أو يجري مقابلة لا يوفق في إظهارها بالشكل الذي كان يتمناه فتخطئ الهدف، لا لشيء إلا لأنه كان يفتقد من لديه الخبرة الكافية في مجال الإعلام حتى يقدم له المشورة، إذ لا يكفي الصدق والتلقائية والثقافة العامة لجعل المقابلة الصحافية أو التلفزيونية ناجحة، بل لابد من توافر المعرفة والخبرة بمجال حساس كالإعلام والعلاقات العامة من خلال مستشارين يقدمون للمسؤول المشورة والنصح لكيفية إتمام الإعداد للمقابلة، وما العبارات الواجب تجنبها والعبارات الواجب التأكيد عليها أثناء المقابلة، وربما يتعدى ذلك حتى للتدخل في الهيئة التي يكون عليها أو اللباس والزي الذي يرتدي، فالصورة أيضا لها تأثير في المتلقي يعادل أو يتجاوز الكلمة، فكما يقال "الصورة الواحدة بألف كلمة".
قليلون لدينا من يحسنون التعامل مع الصورة والكلمة في آن واحد كما يفعل معالي الدكتور غازي القصيبي، فنراه في وسائل الإعلام يلبس "الروب" الأبيض الخاص بالأطباء عندما كان وزيرا للصحة و"الروب" الأزرق الخاص بالمتدربين في المعاهد الفنية عندما أصبح وزيرا للعمل، وقد لا يكون المقصود من لبس الزي جمهور المتابعين للتغطية الإعلامية بل يقصد الأطباء وطلاب ومنسوبي المعاهد الفنية، أنفسهم أو يكون قد قصد الاثنين معا، فالمهم أن تنجح الرسالة التي يرغب تعميمها ونشرها في تحقيق الهدف . أما من يحسن التعامل مع وسائل الإعلام عند غيرنا، فيكاد ذلك ينطبق على معظم المسؤولين في الغرب كالسياسيين ورجال الأعمال فيكفيك أن تلاحظ المفردات والجمل التي يستخدمونها أثناء المقابلات التلفزيونية والحملات الانتخابية، أو أن تشاهد الزي الذي يرتدونه عند زيارة بعض المواقع لتعرف أن وراءهم خبراء يشيرون عليهم بما يرونه مناسبا للحدث فيجنبونهم الوقوع في بعض الهفوات غير المحسوبة التي تكلفهم الكثير لعلاجها ومع ذلك لا يسلم البعض منهم من الخطأ.