"نور" من "روث الحيوانات"

[email protected]

منذ نحو عامين اتصل بي صاحب مشتل زراعي في شمال غرب أوهايو وطلب مني إعداد دراسة جدوى استبدال سخانات الماء الثلاثة الموجودة في المشتل، التي تستخدم الديزل لتدفئة 12 بيتا زجاجيا في هذه المنطقة الباردة من الولايات المتحدة، بسخانات تعتمد على مصادر أخرى غير الديزل. فارتفاع أسعار النفط إلى 50 دولارا في ذلك الوقت هدد الشركة بالإفلاس، وهدد الحياة الاجتماعية لصاحب الشركة.
بعد فترة من البحث والتقصي انتهت الدراسة التي كانت خلاصتها أن الخيار الأمثل هو بناء سخان ضخم سعته أكبر من السخانات الثلاثة القديمة مجتمعة على أن يتم حرق روث الحيوانات لتسخين الماء. ورغم أن الدراسة أوضحت أن الوفورات ستكون كبيرة حتى بعد دفع ثمن روث الحيوانات وتكاليف شحنه، إلا أنه تبين أيضاً أن الجامعة القريبة من المشتل لديها إسطبل خيول ضخم وتقوم بدفع مبالغ كبيرة لتنظيف الإسطبلات ونقل روث الحيوانات، كما أنها تدفع مبالغ إضافية لأصحاب مرادم النفايات لدفنها هناك. بناء على نتائج تلك الدراسة قام صاحب المشتل بشراء سخان ألماني وتركيبه في زاوية المشتل. كما تم الاتفاق على أن توفر الجامعة روث الخيول مجانا لصاحب المشتل مقابل أن يتكفل بتكاليف الجمع والنقل. بهذه الطريقة حصل صاحب المشتل على الروث مجانا، وتخلصت الجامعة من تكاليف الجمع والنقل والدفن. ولعل القارئ الكريم يتساءل ماذا تفعل جامعة بإسطبل خيول، والجواب أن من ضمن برامج الجامعة طب بيطري خاص بالخيول، وبرنامج آخر يتعلق بالفروسية.
منذ فترة قصيرة اتصل بي صاحب المشتل ليشكرني على ما قمت به منذ عامين. لم يكن شكره عادياً، ولم يكن بطريقة مألوفة، فقد كان فرحاً للغاية عندما وصلت أسعار النفط إلى قرابة 150 دولارا للبرميل. وكان من ضمن ما ذكره أنه يوفر نحو 2500 دولار يوميا. ولكن اتصاله لم يكن بسبب هذه الوفورات، بل لأنه أيقن أن استغناءه عن الديزل منعه من الإفلاس الذي كان سيدمر حياته، بما في ذلك حياته الاجتماعية.
إذا استطاع مشتل واحد وإسطبل واحد أن يحقق هذه الوفورات المادية، فما بالك بمزارع ضخمة ومشاتل ضخمة وإسطبلات ضخمة في الخليج؟

روث الحيوانات وتوليد الكهرباء
تعد الهند من الدول الرائدة في تحويل مخلفات الأبقار إلى كهرباء، خاصة في القرى البعيدة والمعزولة. ولكن الوفورات الضخمة والفوائد البيئية جعلت مزارع الأبقار والدجاج والخنازير في أكثر الدول تقدماً تستثمر في تحويل النفايات إلى كهرباء.
استخدم روث الحيوانات كمصدر للطاقة منذ ألوف السنين حيث تم تكديسه وتجفيفه ثم حرقه بهدف التدفئة والطبخ، ومازال يستخدم في شتى أنحاء العالم لدى العديد من الشعوب البدائية، خاصة في بعض المناطق الإفريقية والآسيوية. ولولا الحاجة إلى الطاقة لما استخدم الإنسان هذه الطريقة لأنها مزعجة جداً بسبب كمية الدخان الصادرة عنها والرائحة المزعجة التي تصاحب عملية التجميع والتجفيف والحرق.
إلا أن التطورات التكنولوجية في العقود الأخيرة خففت من الدخان والرائحة ومكنت الإنسان من استخدام روث الحيوانات بطريقة جعلت منه مصدراً مهما من مصادر الطاقة المتجددة. يتم حالياً استخدام روث الحيوانات في مزارع البقر والخنازير في توليد الكهرباء واستخدامها في المزرعة نفسها وبيع فائض الكهرباء لشركة الكهرباء المحلية. كما تقوم بعض هذه المزارع، إضافة إلى إسطبلات الخيول، ببيع الروث للشركات الزراعية لحرقه بهدف تسخين الماء وتدفئة البيوت الزجاجية، كما في القصة أعلاه.
يتم توليد الكهرباء من غاز الميثان الناتج عن تخمر الروث وذلك على ثلاث مراحل تستغرق نحو 20 يوماً. يتم في المرحلة الأولى تجميع روث الحيوانات في حفرة كبيرة مبطنة من الأسفل والجوانب مغطاة بغطاء بلاستيكي مطاط يشبه البالون المفلطح. يتم بعد ذلك خلطه بالماء وبعض المواد الأخرى التي تسرع من تخمر الروث. يتم في المرحلة الثانية جمع غاز الميثان ثم توصيله إلى مولد الكهرباء عبر أنابيب. يتم في المرحلة الثالثة حرق الغاز لتوليد الكهرباء.

وفورات مالية كبيرة وفوائد عديدة
ينتج عن عملية تحويل روث الحيوانات إلى طاقة بدلا من التخلص منها وفورات مالية كبيرة للمَزارع، في الوقت الذي يتخلص فيه المجتمع من غازات خطيرة جداً، وينعم ببيئة أفضل. ما لا يعرفه كثير من الناس أن غاز الميثان الذي ينتج عن تحلل روث الحيوانات، خاصة روث البقر في المزارع الضخمة، من أخطر الغازات المسببة للاحتباس الحراري حيث إنه خطره أكبر من خطر غاز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 20 مرة. لذلك فإن استخدام روث الحيوانات في توليد الطاقة يخفف من غازات الاحتباس الحراري من جهتين: تخفيف كمية الميثان المنبعثة من الروث، والتخفيف من غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى الناتجة عن الوقود الأحفوري الذي يحل الروث محله في إنتاج الكهرباء.
إن خطر روث الحيوانات المتجمع في حفر كبيرة غير مبطنة بشكل صحيح في المزارع لا يقتصر على إفرازات غاز الميثان في الهواء فقط، وإنما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية أيضاً، لذلك فإن عملية تخميره تتضمن عزله تماما عن أرض الحفرة وعن الجو المحيط، وبعد أخذ الغاز منه لا يتبقى منه إلا نوعية عالية الجودة من السماد.
وتشير الدراسات إلى أن أي مزرعة تحتوي على أكثر من 300 بقرة يمكنها استرجاع تكاليف المشروع خلال فترة بسيطة من الزمن، حتى بدون إعانات حكومية. ونظرا لربحية هذه المشاريع من جهة، والإعانات التي تحصل عليها المزارع الأمريكية، انتشر هذا النوع من المشاريع بشكل كبير في السنوات الأخيرة حيث تجاوز عددها 135 مشروعا، تنتج نحو 248 مليون كيلوواط ساعة في السنة. وإذا ما تم تطبيق التجارة في الكربون فإن هذه المزارع ستحصل على عوائد إضافية من بيع "حقوق التلويث" لأنها تنتج الكهرباء بطريقة "نظيفة" من "روث الحيوانات"!

الخلاصة
هناك مزارع أبقار وأغنام ضخمة وإسطبلات كبيرة في دول الخليج التي يمكن أن تتحول من عبء على شركات الكهرباء إلى مساهم في توفير كميات كهرباء إضافية للمجتمع. على الأقل يمكن لهذه المزارع أن تولد كهرباءها بنفسها وتستغني عن الكهرباء التي تولدها شركات الكهرباء العامة. لقد أثبتت هذه المشاريع جدواها الاقتصادية في كافة أنحاء العالم، كما ثبت أنه تسهم في تخفيف "تسميم" الهواء والماء. لقد ثبت أن روث الحيوانات ثروة يجب تلافي هدرها. نعم، لقد أصبح النور يأتي من روث الحيوانات!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي