كيف أسهمت مؤسسة النقد في توسيع دائرة الفقر؟

أوضح صندوق التنمية العقارية في بيان له الأسبوع الماضي أن مهلة التسديد للمقترض المتأخر عن السداد ستنتهي في 26 من رمضان الحالي، يبدأ بعدها الصندوق في حسم 30 في المائة من الراتب الشهري للمقترض إلى أن يتم تحصيل كامل الأقساط المتأخرة. ولا شك أن المقترض الذي أهمل سداد ما استحق عليه من أقساط قد ارتكب خطأ كبيرا ومخالفة جسيمة، خاصة في ضوء تشجيع الصندوق للملتزمين بالسداد بمنحهم تخفيضا نسبته 10 في المائة من قيمة القسط المستحق. إلا أن المؤكد أيضا أن من غير العدالة تهاون الصندوق في التعامل بحزم مع تراخي المقترضين عن السداد لسنين طويلة، ثم فجأة يطالبهم بسداد ما تراكم عليهم من أقساط بدفعات عالية تبلغ 30 في المائة من الراتب الشهري دون اعتبار لما قد يسببه ذلك من عبء مالي على معظم المقترضين.
أحدهم شكا لي المعانة الهائلة التي سيتعرض لها في حال تنفيذ هذا القرار، فراتبه الشهري بعد المكرمة الملكية يبلغ سبعة آلاف ريال يذهب منها 2800 ريال قيمة قسط لقرض حصل عليه من أحد البنوك، وبحسم 30 في المائة من راتبه الشهري لصالح الصندوق، لن يتبقى له إلا نحو 2100 ريال فقط ينفقها على عائلته ويلبي حاجاته الضرورية، ما يجعله في وضع مالي صعب جدا سينقله إلى ما تحت خط الفقر، فصافي دخله سيكون أقل من أن يجعله قادرا على تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم.
هذه الورطة التي سيجد الكثير من المواطنين أنفسهم فيها أسهم فيها تخاذل الصندوق في اتخاذ خطوات حازمة لتحصيل مستحقاته في الوقت المناسب، ما ترتب عليه تراكم المستحقات على المقترضين، إلا أن ما زاد من الأمر سوءا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته مؤسسة النقد العربي السعودي بموافقتها على ضمان تحويل رواتب الأفراد المقترضين من البنوك إلى البنك المُقرض ما يضمن للبنك تحصيل مستحقاته على الأفراد. ترتب عليه إنهاء كافة المخاطر على البنوك من توسعها في القروض الشخصية، وفي ضوء ارتفاع معدلات الفائدة التي تفرضها البنوك على القروض الشخصية وحسابها بطريقة تخدع المقترض وتوهمه أنه يقترض بسعر فائدة يقل عن نصف سعر الفائدة الفعلي الذي يتم احتسابه من قبل البنك، فقد تمادت البنوك السعودية في منح القروض الشخصية وأصبحت التزامات الأفراد نحو البنوك تشكل عبئا ماليا هائلا عليهم. فالقروض الشخصية التي لم تكن تتجاوز ثمانية مليارات ريال عام 1998 وصلت في الربع الثاني من هذا العام إلى ما يزيد على 149 مليار ريال، وبنسبة نمو خلال العامين الماضيين تجاوزت 60 في المائة سنويا.
والحقيقة أن ربحية البنوك التي نمت بشكل هائل خلال العامين الماضيين تأتي معظمها من نشاطين لهما في الغالب أثر سلبيا في النشاط الاقتصادي. فتوسع البنوك في الإقراض الشخصي وبمعدلات فائدة تزيد أحيانا على ثلاثة أضعاف سعر الفائدة على الريال، ورسوم تداولات الأسهم وفوائد التسهيلات التي غذت المضاربات في السوق، شكلت في الواقع معظم أرباح البنوك في العامين الماضيين. فعلى افتراض متوسط حجم قروض شخصية يبلغ 150 مليار ريال وبمعدل فائدة قدره 10 في المائة، وهو أقل من معدل الفائدة الفعلي الذي تتقاضاه معظم البنوك، فإن فوائد القروض الشخصية فقط ستتجاوز هذا العام 15 مليار ريال.
ما يعني ضرورة قيام مؤسسة النقد فورا بوقف أي ضمانات جديدة لتحويل رواتب الأفراد إلى البنوك ما يجبرها على أن تكون أكثر إحساسا بالمسؤولية ويضطرها إلى دراسة ملاءة المقترض بعناية قبل الإقراض لا أن تتصف بعدم اللا مبالاة لما تسببه من كوارث مالية للأفراد طالما أن مستحقاتها لدى المقترض مضمونة التحصيل بضمان تحويل راتبه الشهري إلى البنك. كما أن عدم اتخاذ صندوق التنمية العقارية لإجراءات مناسبة لضمان سداد المبالغ المستحقة على المقترضين في الوقت المناسب، يجعل قرار حسم 30 في المائة من راتب المقترض قرارا مجحفا يضر بالمواطن ويضيق عليه بطريقة غير مقبولة، وعلى الصندوق الاكتفاء بمعاقبة المتأخرين عن السداد بحرمانهم من نسبة التخفيض والحسم منهم بواقع ألف ريال شهريا للقرض البالغ قيمته 300 ألف ريال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي