تناول الصائم للمفطر جهلاً أو نسياناً
من الأعذار التي تطرأ على الصائمين الجهل والنسيان فقد يأكل الصائم أو يشرب في نهار رمضان ناسياً وقد يقع على زوجته ظاناً غروب الشمس وقد يفطر قبل الغروب أو يشربُ بعد طلوع الفجر جاهلاً بالوقت ونحو ذلك من مسائل الجهل والنسيان وهو مجال حديثنا في هذا اللقاء، فأقول مستعيناً بالله وحده: إن الجهل والنسيان يرفعان الإثم والعقوبة، يقول الله سبحانه "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قال: قد فعلت.
فإذا أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"، وهكذا لو جامع ناسياً فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة ولهذا الحديث الشريف ولقوله صلى الله عليه وسلم "من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة" أخرجه الحاكم وصححه.
وهذا اللفظ يعم الجماع وغيرَه من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسياً وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه فله الحمد والشكر على ذلك، وإذا ذكرَ أنه صائمٌ واللقمةُ في فمه لزمه أن يلفظها، ولا يلزمه إخراجها إذا ابتلعها.
أما إذا أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس، فإذا كان غلب على ظنه غروب الشمس ولم يكن عنده ما يستدل به على الوقت فأكل أو شرب ثم تبين له أن الشمس لم تغرب بعد فإن الذي يظهر من أقوال العلماء أنه لا قضاء عليه وصومه صحيح, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ويستدل على هذا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "أفطرنا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس".
قال معمر: سمعت هشاماً وهو أحد رواة الحديث لا أدري أقضوا أم لا.
ولو كان القضاء واجباً لكان محفوظاً، فلما لم يحفظ ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تُمسك بالأصل وهو براءة الذمة وعدم القضاء.
وقال جمهور العلماء : يجب القضاء لأن الأصل بقاء النهار.
أما إذا أكل وهو شاك وبيده الساعة التي يعرف بها الوقت، أو كان وسط البلد الذي يسمع به المآذن ثم تبين عدم الغروب فهو مفرط لعدم تحريه فيجب عليه القضاء لأن العبادة وهي الصيام وجبت بيقين فلا يجوز أن يتحلل منها إلا بيقين أو ظن.
وإن أكل أو شرب ثم تبين له طلوع الفجر فإن صومه صحيح لأن الأصل بقاء الليل فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين له طلوع الفجر، قال تعالى: "فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ"، وضد التبين الشك والظن، فما دام لم يتبين فله أن يأكل ويشرب وأن يأتي أهله، وله أن يغتسل من أثر الجنابة بعد طلوع الفجر وهذا بالإجماع كما في الصحيحين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع أهله ثم يغتسل ويصوم، ولمسلم "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم".
وهذه المسألة يكثر السؤال عنها بأن يضع الإنسان الماء عند فراشه فيقوم ويشرب وإذا بالصلاة تقام فلا قضاء عليه في الأظهر من أقوال العلماء.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز, رحمه الله, عن الحكم في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب فأجاب:
بأن الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر لقول الله عز وجل "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُوا الصيام إِلَى اللَّيْلِ" فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك، فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، لم يجب عليه الإمساك وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر، فإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان ولا يضره لو أكل أو شرب شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر.
ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم بطلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وقوله صلى الله عليه وسلم "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". والله ولي التوفيق.