استهداف اللصوص أم استهداف الإنسانية؟
يبتسم اللص ابتسامة شيطانية بعد أن نجح في اختلاس جهاز الجوال أثناء انشغال صاحبه في أمر ما، وينقض على الجوال طامعا في استخدامه، ليفاجأ به يرفض التعامل معه ويقول: عفوا لا يحق لك استخدامي.. أنت لص!!
هذه القصة من المنتظر أن تتكرر لتوقف ظاهرة سرقة أجهزة الجوال التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وذلك بعد أن أنهى مجموعة من العلماء الفنلنديين أبحاثا تقدم تقنية جديدة صممت لمنع حالات السطو على أجهزة الحاسب المحمولة وأجهزة الهاتف الجوال.
وقد فاقت معدلات سرقة أجهزة الجوال بشكل لا يمكن تصوره، فطبقا لأحدث الإحصائيات فإن أكثر من 100 ألف جوال تتم سرقتها في ألمانيا والسويد سنويا، وهي بالمناسبة من أغنى دول العالم، بينما بلغ معدل هذه الظاهرة مستويات قياسية في المملكة المتحدة، حيث يتم هناك الإبلاغ عن 300 ألف حالة من هذا النوع سنويا، وبلغ دهاء اللصوص حدودا مريعة في بعض الدول العربية، حيث إن بعضهم يستغل انشغال مالك الجهاز بالاستغراق الشديد بالحديث فيه، ليلتقطه اللص ويفر هاربا، بينما يقف مالك الجهاز مدهوشا وبينما تدور في رأسه علامات الاستفهام عن سبب انقطاع الحوار الهاتفي، فجأة يكون اللص اللئيم قد اختفى عن الأنظار!!
وتستخدم هذه التقنية مجموعة من الإحصائيات الرياضية المعقدة التي تعتمد على البيانات البيولوجية لمالك الجهاز الإلكتروني لتكون فيها شفرة متكاملة لا يمكن تقليدها، أهمها طريقة مشية صاحب الجهاز، حيث تستقبلها أجزاء شديدة الحساسية ترصد تصرفات مالك الجهاز وتقارنها كل فترة بتصرفات المستخدم الفعلي لتمنع أي محاولة غير شرعية لاستخدام الجهاز، ويخزن الجهاز هذه البيانات في ذاكرته الرئيسية وسجلات الملكية الخاصة به، ومنعا لحدوث أي لبس فإن العلماء أكدوا أن الجهاز يعتمد على رصد تحركات المالك من ثلاثة أبعاد، وقد وصلت مستوى الدقة إلى معدل 90 في المائة، وبالتالي فإن الطريقة الجديدة يمكن الاعتماد عليها.
ويتخلص الابتكار الجديد من مشكلة السؤال المتكرر عن كلمة السر بشكل يزعج المستخدم الفعلي، حيث لا يقوم بطرح هذا السؤال إلا إذا لم يتعرف على مشية صاحب الجهاز، فإذا كتب كلمة السر بشكل خاطئ فإن الجوال أو الحاسب المحمول سيغلق ذاتيا ولن يستجيب لأي محاولة أخرى لاستخدامه إلا إذا أعاد التعرف على صاحبه الأصلي.
وتتعدد استخدامات الاختراع الجديد حيث يمكن من خلاله أيضا منع سرقات الحقائب المهمة، والبطاقات الذكية، والأسلحة وكذلك ملحقات الحاسب الآلي المختلفة التي تتصل بها عبر"USB"، كما يمكن توصيل هذه التقنية أيضا بنظام لتحسس الأصوات والتعرف على البشر من خلال بصمتهم الصوتية لتكون أكثر إحكاما.
الطريف في هذا الموضوع هو أن مبتكري هذه التقنية يأملون أن تنتهي الحاجة إليها قريبا، حيث يقول البروفيسور هيكي أليستو عضو الفريق العلمي الفنلندي مبتكر الجهاز الحساس، إنه إذا أصبحت سرقة الأجهزة الإلكترونية والحقائب المهمة ليست ذات فائدة، حيث تتحول إلى قطعة من الحديد أو البلاستيك لا يمكن استخدامها على الإطلاق، فإن معدل هذه الجرائم بالطبع سيتناقص، وبالتالي لن تعود هناك حاجة لاستخدام هذا الابتكار الذي تم تسجيله في الدول التي تحتوي على أسواق محتملة ضخمة "أي عددا أكبر من السرقات"، ولكن لم يتم حتى الآن الإفصاح عن الشركة أو الشركات التي ستحظى بتسويق الاختراع وبيعه.
من ناحيتي فإنني في الحقيقة أجد شيئا ما يجعلني أشعر بعدم الراحة لاختراع مثل هذا، على الرغم من فوائده المذهلة في مجال الحد من السرقات، فأنا على عكس القائمين على هذا المشروع لا أتوقع أن ينتهي استخدامه بمجرد انتهاء ظاهرة السرقات، فمثل هذه التقنية تتحول شيئا فشيئا إلى حبل خانق يلتف حول رقبة الإنسان حتى ولو لم يدرك ذلك صانعها ولم تكن تلك الأهداف ضمن خطته حسنة النية، فعن طريقها يتم تحديد أماكن ورصد تحركات الأشخاص والتجسس على أنشطتهم، ويتم أيضا عن طريقها توجيه الصواريخ إلى أجساد العزل المستهدفين بعمليات الاغتيال.
وإذا كانت بعض الدول والمنظمات في السابق تستخدم تقنيات الاتصال اللاسلكي في هذه المهمات العسكرية والإجرامية، فقد كان يعتريها عيب خطير كان كفيلا بإفشال هذه الطريقة، يتمثل في احتمال أن يكون صاحبها قد تخلى عنها أو أعطاها لأحد غيره، أو أنه لا يحملها في ذات اللحظة التي تقرر فيها استهدافه، وتأتي هذه التقنية الجديدة لتتخلص من هذا العيب نهائيا وتؤكد شخصية المستهدف من خلال بياناته البيولوجية فيحافظ الشخص على جهازه ويخسر خصوصيته أو ربما روحه!