إزالة النجاسة
إن النجاسة إذا زالت بأي مزيل فإن حكمها يزول تبعا لذلك والأصل في تطهير النجاسات أن يكون بالماء لقول الله تعالى "وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به" فجعل الله الماء آلة للتطهير وهو غالب عمل الناس وقال صلى الله عليه وسلم في البحر "هو الطهور ماؤه" وحديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يراق عليه ذنوبا من ماء، ومع ذلك فإن الصحيح من أقوال العلماء أن حكم النجاسة يزول بزوالها سواء بالماء أو غيره، فالشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها لأنها نجسة بذاتها فإذا زالت النجاسة عاد الشيء إلى أصله وهو الطهارة. ولأن إزالة النجاسة ليست من باب فعل المأمور بل من باب اجتناب المحظور فإذا حصل بأي سبب كان ثبت الحكم وزالت النجاسة ولهذا لا يشترط لإزالة النجاسة نية فلو نزل المطر على الأرض المتنجسة وزالت النجاسة طهرت، ولو تقرب إنسان لله بإزالة النجاسة فإنه يثاب على هذا الفعل لأنه أزال ما يتأذى منه الآخرون، والماء هو أصل المطهرات وأسرعها ولا يقصر التطهير عليه فقط دون غيره بل يعم كل مزيل للنجاسة، لذا فإن من أراد أن يبادر في تطهير النجاسة أزالها بالماء كما فعل صلى الله عليه وسلم، حين أمر أن يراق ذنوب من ماء، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم المبادرة في إزالة النجاسة من حين العلم بها لئلا يرد على الإنسان نسيان أو جهالة بمكانها فيصلي مع النجاسة. وقد تطهر النجاسة بالريح إذا زالت عين النجاسة وهذا القول هو اختيار المجد وغيره قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصواب أن نجاسة الأرض تزول بالشمس والريح ويجوز التيمم عليها بل تجوز الصلاة عليها بعد ذلك ولو لم تغسل ويطهر غير الأرض بالشمس والريح أيضا والأمر بالصب على بول الأعرابي يحصل به تعجيل تطهير الأرض فإن لم يصب الماء عليها فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل أي تحلل مع طول الزمن وتأثير الشمس وتأثير العوامل المناخية، وفي الصحيح أن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك" قال المنذري: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق، قال وبعد أن ترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه.. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري والأقرب أن يقال إن ذلك كان في ابتداء الحال على بناء الأصل وهو الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق بن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر قال "كان عمر يقول بأعلى صوته اجتنبوا اللغو في المسجد قال ابن عمر وكنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت الكلاب تقبل وتدبر فأشار إلى أن ذلك في الابتداء ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلاب.