محكمة أمن الدولة... متى؟
<a href="mailto:[email protected]">alamiaa@yahoo.com</a>
تلوح في الأفق بوادر إنشاء محكمة أمن الدولة مهمتها الأساسية النظر في قضايا المتورطين في الأعمال الإرهابية. ما زلنا نتذكر المشاهد الدامية بعد حوادث التفجيرات الإرهابية التي شهدتها المملكة منذ أحداث العنف والإرهاب يوم الأول من المحرم عام 1400هـ في بيت الله الحرام ومروراً باستهداف المجمعات السكنية والمواطنين والوافدين ومكاتب الشركات الصناعية والدوائر الحكومية والمنشآت النفطية.
السعودية ليست البلد الوحيد في المنطقة أو في العالم الذي يؤسس محكمة أمن دولة فهي ضرورة حتمية. المتوقع أن يتم اختيار قضاة مهيئين لمثل هذه القضايا المهمة بعد ترشيحهم من وزارتي العدل والداخلية. قد يتم أيضاً تعيين مستشارين سياسيين وأمنيين لكون المحكمة دائمة الصفة ولتفرع وتشعب القضايا التي تمس أمن الوطن. ولكن هذا لا يكفي، لا بد من الوقوف بقوة ضد هجمة المنهج المنحرف عن ثوابت العقيدة وقيم المجتمع ولا بد من تطوير المناهج المدرسية لتشمل مبادئ الأمن الفكري للطلاب وتحضهم على محاربة الغزو المتطرف. التجربة تدل على تسرب الأفكار الإرهابية إلى بعض مدارسنا ومساجدنا تخطط "لإخراج المشركين من الجزيرة العربية" وفي بعض الأحيان لقتل الآمنين العزل وتكفير الأنظمة السياسية.
المتعارف عليه أن يكون رئيس قضاة محكمة أمن الدولة على معرفة متخصصة عالية وخبرة في العلوم الشرعية والفقه بالأحكام والحدود والجنايات. كما أتصور أن يكون القضاة الأفاضل على علم تام بمجريات الأمور وخاصة الأحداث الإرهابية التي تعاقبت على المملكة. إضافة لذلك، هناك أهمية خاصة لاختيار المستشارين الأمنيين ليتمكنوا من تقديم المساندة الإدارية والتقنية. في نهاية الأمر تحتاج قضايا التفجيرات الإرهابية إلى دراسة دقيقة وإصدار أحكام نافذة لأنها تتعلق بسلامة المواطن والوافد وسلامة المنشآت وأمن الدولة.
هناك عدة فرضيات حول موضوع تأسيس محكمة أمن الدولة ومن أهمها أن المحاكمات قد تدار علانية مع أن هذا قد يتعارض وسرية القضايا الإرهابية. كما أن هناك فرضية خضوع الأحكام للاستئناف، بمعنى أن تكون المحكمة مكونة من ابتدائية واستئنافية أو أن تكون واحدة فقط بحيث يكون حكمها نهائيا. ما نأمله من قيام محكمة أمن الدولة هو أن تضمن عدم تعاطف القضاة مع أي من المتهمين مهما كانت خلفيتهم القبلية أو الفكرية أو يؤثر ذلك في الأحكام الصادرة بحقهم.
إقامة محكمة أمن الدولة هي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولكن لعلنا أيضاً نهتم بالعلاج الوقائي. أقصد تهيئة المعلم في المدرسة والجامعة لأنه المنار الذي يهتدي بعلمه طلابه ويقتدون بفكره كما أن رسالته تتعاظم أهميتها ومسؤولياتها وفق المتغيرات الثقافية والفكرية. ها هي ندوة (المعلم والأمن الفكري)، التي نظمتها كلية المعلمين وإدارة التربية والتعليم في الباحة أخيرا قد أوصت بضرورة توفير البيئة الآمنة للتعبير عن المشاعر والأفكار في محيط الأسرة والمدرسة لأنها من العوامل المشجعة للقضاء على الفكر الإرهابي. أقترح أن تقوم الكليات والمدارس في المناطق الأخرى أيضاً بالدعوة لبحث أخلاقيات مهنة التعليم ووضعها في برامج المعلم المستقبلية. نريد إعادة النظر في طرق التدريس التقليدية خاصة وأن اللقاءات التحضيرية تعقد هذه الأيام استعداداً للقاء الوطني السادس للحوار الفكري تحت عنوان "التعليم... الواقع وسبيل التطوير". لا بد من مراقبة هؤلاء الذين يدعون أبناءنا للانخراط في صفوف المجاهدين وذبح الكفار في كل شاردة وواردة بل حتى تحريم تحية العلم أو استخدام الطبل في الأفراح. لا بد من تبني أساليب تعليم حديثة لحماية أبناء هذا الوطن من الانحراف ومعالجة فكر الشباب بالحوار الإيجابي الهادئ والبناء.
شهداء الوطن
تحية إكبار وإجلال لكل رجل أمن يسهر على أمن هذا الوطن. الشهيد ملهي سمير الحربي استشهد في مواجهات أيار (مايو) 2003م وهو يقاوم الإرهابيين. أطلق عليهم من سلاحه (7) طلقات نارية إلا أن الإرهابيين أطلقوا عليه عدة أعيرة نارية أصابت (4) طلقات منها صدره، وحاول مقاومتهم وهو مصاب إلا أنهم قتلوه وهو في مكان خفارته على المحور. يقول فايز ملهي الحربي ابن الشهيد: "إن والدي - رحمه الله - عُرف بالشجاعة والإقدام، ولو كان عكس ذلك لما استشهد." الطريق ما زال طويلاً ولن نسمح للتطرف أن يعلو صوته صاخباً أو أن يؤثر في مسيرتنا الإصلاحية مهما تبدلت ألوانه أو تفرعت مصادره.