علاقات الرياض وصنعاء... آن الأوان لتجاوز كل "الحدود"
<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
أتذكر أن أول زيارة لي إلى اليمن في عام 1999م، حينما تولت شركتي جدة للمعارض الدولية تنظيم معرض الصناعات السعودية في العاصمة صنعاء. ومن تلك الزيارة وما تبعها من زيارات أخرى من خلال مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية أو من خلال المعارض التجارية، كنت أسأل نفسي سـؤالا مهما؟ لماذا تأخر تدفق الاستثمارات السعودية إلى شريكها الاستراتيجي اليمن؟ ولماذا نجحت استثماراتنا في كل مكان حتى وصلنا إلى أقصى حدود الصين؟ وكغيري اعتقدت جازما أن الظروف السياسية في ذلك الوقت لم تكن مناسبة، أو أن هناك عوامل أخرى أسهمت في تكوين "حجر عثرة" أمام الاستثمار السعودي.
لكن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحاً شكلا وموضوعا، فحتي بعد توقيع الرياض وصنعاء معاهدة الحدود الدولية في مدينة جدة استمر ضعف تدفق الاستثمارات السعودية، ليتضح أخيراً وباعتراف الأشقاء المسؤولين اليمنيين أن السبب الرئيس ليس سياسياً أو حتى بسبب أزمة الحدود كما كان يقال، بل كانت البيروقراطية سببا أولاً وثانيا قوانين الاستثمار اليمني التي لا تطبق فعلياً ولم يستطع صانع القرار السياسي في اليمن أن يتجاوز هذا العقبات. وعليها هجر الإخوة اليمنيون موطنهم في حقبات تاريخية مختلفة بسبب الوضع الاقتصادي، وحتى بعد الوحدة العظيمة التي طالما باركناها للإخوة اليمنيين وفرحت بها الأمة الإسلامية والعربية علي حد سواء. ولكن ظل الواقع الاقتصادي في اليمن متراجعاً عن ركب التطور الكبير في المجالين الاجتماعيً والسياسي بعد الوحدة، وكانت النتيجة النهائية تجارب شخصية لمستثمرين سعوديين في اليمن تراوح بين الحلم والواقع. الحقيقة إن الإرادة السياسية بين البلدين تتحرك على أرض صلبة، فيما الواقع العملي بعيد عنها في ظل (قوانين) أو (أشخاص)، لطالما كان قرار (الوزير) أهم من القوانين والأنظمة.
ولكن هناك بصيص أمل يتجدد في إشراق نور الخير ونحن نقترب من موعد الزيارة التاريخية الموعودة للأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، بمناسبة عقد أعمال مجلس التنسيق السعودي ـ اليمني في 31 أيار (مايو) الجاري، فهل يمكنا أن نقول: (آن الأوان لعلاقات الرياض وصنعاء أن تتجاوز كل الحدود)؟! وكلمة حق تحسب لفخامة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بأن قرر الاجتماع في مدينة المكلا التي أعاد بنائها من جديد وأسهم شخصيا في وضعها على خريطة جذب الاستثمارات الأجنبية بعد صنعاء وعدن والحديدة، على خلفية موقعها الجغرافي والتاريخي. وبدا واضحاً أن (المكلا) نجحت إلى أبعد الحدود في أن تكون نواة التقاء الاستثمارات السعودية ـ اليمنية فكان على سبيل المثال: مصفاة المكلا، مصنع الأسماك، مصانع الأسمنت، تأسيس شركات عقارية، وأخيراً التعاون في بناء جامعة حضرموت.
ومن المنطقي الإشارة هنا إلى مجلس التنسيق السعودي ـ اليمني، وهو الكيان الوحيد الذي يربط دولة خليجية باليمن، ينعقد في ظروف ومناخ سياسي (صحي)، إن جاز لنا التعبير، وبما يمكننا توقع أن أعمال هذه الجولة ستحمل نتائج مهمة جداً ربما ستضع علاقات صنعاء كلها ليس مع السعودية فحسب، بل مع دول مجلس التعاون الخليجي على (المحك)!
ولا جدال هنا على أن تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال لقائه مع الإعلاميين الخليجيين، أعطت زخماً كبيراً ومهدت كثيراً لتلك الظروف والمناخ السياسي (الصحي)، إذ قال: (إن اليمن منا وفينا وسيأتي اليوم الذي تنضم فيه إلى مجلس التعاون الخليجي). الواقع اليمني لم يكن ببعيد عن (الرغبة) و(الحماس) وإثبات الجدية في أهمية انضمام صنعاء إلى الشراكة الاستراتيجية والي منظومة مجلس التعاون الخليجي، فالرئيس اليمني علي عبد الله صالح لا يزال يصر ويتمسك باستمرار نهج التواصل والتطوير, واستطاع خلال دعمه الكبير لمحافظ المكلا الأستاذ عبد القادر هلال في خطوات التحديث والترابط, بأن بارك التنسيق المشترك مع الأمير مشعل بن سعود أمير منطقة نجران. واستطاع الاثنان تجاوز الكثير من البروتوكولات وكذلك المعوقات الحدودية بأن تم وضع إطار التعاون بين المدينتين المتجاورتين.
كذلك أعطى الرئيس اليمني ثقته لسفيره المـتألق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الأستاذ محمد علي الأحول الذي تم تحويله من قنصل عام إلى سفير في الرياض بعد نجاحه في توثيق العلاقات بين البلدين في فترة قصيرة. وبجهد جهيد استطاع أن يذيب العقبات الاقتصادية بين البلدين وأن يشعل حماس الغرف التجارية الصناعية بينهما وكذلك تعميق الاستثمارات المشتركة. وكان الأحول طوال تلك الفترة الماضية كالجندي المجهول يسير خلف أي نجاح يتم في الزيارات المتبادلة ومتابعة أمورها حتي تأخذ طريقها الصحيح. وشهد له أغلب رجال الأعمال السعوديين أنه في عهده بدأ تدفق الاستثمار السعودي بتنسيق مشترك إلى اليمن دون معوقات تذكر سوى من بعض الوزراء اليمنيين الذين يسعون إلى تغليب القانون (بمعنى أدق البيروقراطية) على المصلحة العامة.
ومن المناسب أيضاً الإشارة إلى أن مشكلة العمالة اليمنية في السعودية بدأت تهدأ وتيرتها بعد أن أسهم السفير اليمني في حل كثير من المشاكل العالقة منذ زمن. ويحسب له أيضاً دوره في تحول كثير من الاستثمارات اليمنية في السعودية والتي تعمل تحت نظام التستر التجاري واستطاع إقناع المالكين لها بالاستفادة من قانون الاستثمار السعودي حتى بلغ عدد المستثمرين 30 شخصاً بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 250 مليون ريال سعودي.
والتحول الاقتصادي بدا واضحا على صعيد مؤسسات الدولة، فقد تفاعلت اليمن، وشكلت لجنة وزارية داخل مجلس الوزراء لصياغة مشروع إنشاء وحدة خاصة بشؤون مجلس التعاون الخليجي تتبع لمجلس الوزراء، يرأسها الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية والمغتربين تعمل علي تطوير التعاون مع المجلس الخليجي. ويأتي قرار الحكومة اليمنية في هذا الخصوص بعد اجتماعات وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والتي قدمت اليمن رؤيتها لتأهيلها إلى الاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي تضمنت إنشاء صندوق خاص بتأهيل الاقتصاد اليمني ودعم توجه الاستثمارات الخليجية إلى اليمن، وبتأهيل العمالة اليمنية لتلبية احتياجات سوق العمل الخليجي.
ختاما, يبقى القول إنه بعد سنوات عجاف في تدفق حجم الاستثمارات السعودية إلى اليمن قفز المعدل خلال السنتين الأخيرتين إلى أكثر من أربعة مليارات ريال سعودي, بدأت تشق طريقها إلى صنعاء وعدن والمكلا والحديدة خلال فترة وجيزة، وحتى موعد زيارة (سلطان الخير) إلى (اليمن السعيد) نقول آن الأوان لتجاوز كل "الحدود" !.... وللحديث بقية!