الهندسة الطبية والفراغ التشريعي
يتضح للمتابع والمختص جليا وجود فراغ تشريعي في الأنظمة والقوانين التي تحدد التعامل مع التقنيات الطبية والكوادر الفنية التي تتعامل معها وتقوم بتشغيلها وصيانتها.
ورغم أن ذلك من أولويات الهندسة الطبية، التي تعاني أصلا فقرا وندرة في الأنظمة والقوانين التي تسهم في تصنيف الأجهزة والمعدات الطبية وكيفية التعامل معها ابتداء من تقييم الاحتياج لها إلى تكهينها مرورا بكل الأعمال التي تتعلق بتشغيلها من التدريب إلى التطبيق، إلا أننا مازلنا نفتقد تطبيق المفهوم العلمي للهندسة الطبية.
ينتج عن عدم إدخال المفهوم الصحيح للهندسة الطبية فراغ تشريعي في الخدمات الصحية للأجهزة والمعدات الطبية،حيث تلعب الهندسة الطبية دورا رئيسيا في تحديد المقاييس الأساسية التي سيتم بناء عليها اختيار الأجهزة والمعدات الطبية التي ستستخدم في الخدمات الصحية، إضافة إلى معلومات وأنظمة التدريب، التخزين، مراقبة المخزون، الصيانة الطبية، قطع الغيار، الفنيين، جداول الأطباء العاملين على الأجهزة والمعدات، حصر وتوزيع الأجهزة والمعدات بشكل تنظيمي يخدم متطلبات المنشأة الصحية كافة.
وتؤكد الدراسات والأبحاث أن تطبيق مفهوم الهندسة الطبية بشكل واضح ومدروس يعطي نتائج إيجابية تؤثر مباشرة في نوعية الخدمة الصحية والحصول على فوائد قيمية من الناحية الإدارية والمالية والفنية والطبية والخدمات الطبية المساندة كافة.
وبما أن الهندسة الطبية تعتبر أساسا لنظام مراقبة المعايير والمقاييس الهندسية والطبية المستخدمة في المنشآت الصحية والجودة النوعية والكمية لهذه الأجهزة والمعدات الطبية، فإن مفهومها في الوقت الحاضر أكثر تعقيدا من ذي قبل نتيجة لارتباطها وعلاقاتها الوثيقة بمستهلكي الخدمات الصحية، لذلك فإن الهندسة الطبية تتدخل في أدق التفاصيل التي قد يعتقد بعض المهندسين أن هذه الأمور ليست من شأنهم ولا علاقة لهم بها.
أما في مجال الخدمات الصحية فإن الأمر لا يقتصر على مستهلك الخدمة فقط بل يتعداه، من منظور الهندسة الطبية، إلى مقدم الخدمة وكيفية تقديمها والجودة الشاملة في تقديم تلك الخدمة من الطبيب إلى نظافة وتعقيم الأجهزة والأدوات التي يتم استخدامها مرورا بالأعمال الإدارية ـ الهندسية - القانونية والتشريعية التي تتعلق بمستهلك الخدمة ومقدمها.
لذا فإن المهندس الطبي يقوم بخدمة مستهلك الخدمة ـ المريض ـ ومقدم الخدمة ـ الطبيب، الممرض، عامل النظافة، كاتب السجلات، وغيرهم، ويشرع لهم الأنظمة والقوانين التي تسير العمل بطريقة احترافية تسهم في رفع مستوى الخدمات الصحية.
من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم تطبيق مفهوم الهندسة الطبية الدقيق والشامل ونتج عن ذلك فراغ تشريعي هو خلو المناهج التعليمية من المفهوم القانوني – الإداري - الهندسي واعتمادها على التطوير الذاتي للمهندس الطبي خلال سنة الامتياز وأثناء العمل.
وكذلك عدم وجود جهة محددة ومختصة بسن القوانين والتشريعات ومتابعتها وتطويرها، إضافة إلى تعدد الهيئات والمؤسسات وتداخل الصلاحيات والمهام في هذا المجال.
ومما يؤسف له أن معظم أنظمة والقوانين التي تشرع التعامل في الأجهزة والمعدات الطبية هي مجرد جمل إنشائية تفتقد الصيغة القانونية والفنية.
ونتيجة لهذا الفراغ التشريعي فقد ازداد قصورنا في إعداد الكوادر الهندسية المؤهلة وتأهيلها، تطبيق مفاهيم الصيانة الطبية وأساسياتها، إدخال الحاسب الآلي في تطبيقات الهندسة الطبية، وافتقاد مفهوم الجودة الشاملة في الهندسة الطبية.
ومن هذا المنطلق فإن إزالة مواطن القصور والأسباب التي تؤدي إلى وجود مثل هذا الفراغ التشريعي وإدخال مناهج القانون والإدارة في تخصصات الهندسة الطبية سواء في الكليات والمعاهد، أو المنشآت التي تقوم بتقديم الخدمات الصحية، وكذلك في الإجراءات والسياسات التطويرية للمهندس الطبي وزيادة وعيه ومداركه القانونية والإدارية أمر في غاية الأهمية.
إضافة إلى أن إناطة المسؤولية لجهة مرجعية واحدة لتشريع وسن الأنظمة والقوانين في مجال الأجهزة والمعدات الطبية، ومتابعتها وتطويرها تعتبر من أحد أهم الأسباب الداعمة لإزالة الفراغ التشريعي في هذا الجانب.