الحياة مع الجن والشياطين (1-2)

<a href="mailto:[email protected]">hsaleh_sa@yahoo.com</a>

كانت أم محمد تعيش مع زوجها وولديها حياة طبيعية, فالزوج يحبها وهي تحب ولديها, وولداها يشعران بالسعادة في ظل والدين يغدقان عليهما الحب والحنان ويحيطانهما بالرعاية والاهتمام. وفي ليلة شتوية باردة زارتها صديقة قديمة لها, وكعادتها رحبت بصديقتها وأكرمتها بكل ما لذ وطاب من الأكلات التي تجيد طبخها وتتفنن في تزيينها. سألتها صديقتها عن كل شيء في حياتها وكانت أم محمد تطمئن صديقتها وتشكر الله أنه حباها بزوج مخلص ومحب وأولاد آخر حلاوة. لم يعكر صفو هذه الجلسة الحلوة مع صديقتها إلا لسعة أبريق الشاي التي تركت خلفها بقعة حمراء ظلت محتفظة بلونها وانتفاخها على الرغم من الثلج والكريم والماء البارد. لم يدر ببال أم محمد أن هذه البقعة الحمراء, التي تشبه عين الإنسان ستكون القنبلة التي ستنشر الخوف في دنياها والخراب في حياتها, وكان الفضل في تفجير هذه القنبلة العنقودية يعود إلى جارتها أم خالد التي أخبرتها بأن هذه اللسعة التي تراها ما هي إلا عين أصابتها من صديقتها, وعندما سمعت أم محمد هذه المقولة من أم خالد بدأ مشوارها مع الخوف والقلق والاتصال بالشيوخ, كتبت اسم صديقتها مئات المرات ونثرت بقاياه بعد أن حرقته في كل زوايا بيتها, الصالة والمطبخ والحمام وحتى في غرفتها وتحت سرير نومها وأسرة أطفالها. صارت تخاف من الصباح خوفا من أن تفعل العين فعلتها ويصاب زوجها أو ولداها بشيء ولم يكن الليل أرحم بها من النهار, كان تكثر من لمس ولديها خوفا من السخونة والحرارة التي أخبرتها أم خالد بأنها هي البداية لما هو مقبل من الشر والسوء من فعل هذه العين الشريرة. لقد تغيرت أخلاق أم محمد ولم تعد تفرح وهي تستقبل من يزورها من الأقارب والأصدقاء, فالكل لهم عيون والكل قد ينظرونها ويحسدونها. ثم تطور الأمر وصارت العيون هي أبسط أعدائها, فالجن والشياطين هم كثر ويعيشون معها في بيتها وقد يسخرهم ضدها من يريد الشر بها وبأسرتها وكانت تدير حربا شرسة معهم, تطردهم من غرفتها لتجدهم وقد تجمعوا في غرفة ولديها فتنهار وتبكي وتتوسل لهم أن يتركوها وحالها. هل أم محمد هذه المرأة المسكينة هي الوحيدة في مجتمعنا التي تعاني الخوف والقلق؟ من يقول غير ذلك فلينظر حوله ليرى كم جنينا على مجتمعنا وأسرنا ونسائنا وحتى رجالنا بمثل هذه الثقافة التي جعلت منا نحن المؤمنين بالله والسائرين على هدي رسول الله رهائن وأذلاء ومستضعفين عند معشر الجن والشياطين وأذنابهم من السحرة والمشعوذين. هذه الثقافة المجنونة التي جعلت الكثير منا يؤمن بأن الجن والشياطين والسحرة هم الذين يديرون حياتنا, فأمراضنا باتت كلها بفعل هؤلاء الجن والشياطين, ومشاكلنا هي الأخرى افتعلتها أياد خبيثة يحركها إما جني يقبع في داخلنا وإما شيطان تلبس بنا. وعندما تحل مصيبة بنا وبأهلنا فإن عيون من نعرف ومن لا نعرف من الغرباء والأصدقاء والأقرباء وحتى الأهل قد تكون أصابتنا ببلائها وشرها وحقدها الأسود. نسينا أن الحياة هي الحياة فيها المرض وفيها الصحة وفيها الراحة وفيها التعب وفيها الفرح والسرور وفيها الحزن والثبور. كم نحن في أمس الحاجة إلى ثقافة ندرك بها حقيقة الجن والشياطين والسحر والحسد وكل مصادر الشر والسوء التي يخاف الإنسان ويتوجس منها. وكان الأحرى بشيوخنا وعلمائنا أن يتصدوا لمثل هذا الأمر ولكن مع الأسف فإن البعض منهم, وأقول البعض منهم, كان عونا لهؤلاء الجن والشياطين لأنه رأى أنه من الأصلح له أن يتاجر بخوفنا ويربح من قلقنا ويزيد من أسهمه اجتماعيا على حساب جهلنا ولن يكلفه هذا إلا تمتمات يدمدم بها على رؤوسنا وينفخ بها في صدورنا. وقد يتمادى هذا الشيخ إما بشيطانه أو بجهلنا فيبصق بها في وجوهنا ثم يرضينا بقصاصات من الورق التي يوهمنا ويخدعنا بأن العلاج فيها وأن البركة والحفظ من الجن والشياطين لا يأتي إلا بالاحتفاظ بها. نحن في حاجة إلى قراءة ثقافية لكل هذه المواضيع, ونقول قراءة ثقافية لأننا لا نريد الخوض والنظر في حقيقة الجن والشياطين ووجود السحر والأثر للعين والحسد لأننا كمسلمين نقر بوجودها ونؤمن بأثرها ولكن ليس بالشكل الذي تعارف عليه الناس ولا بالطريقة التي يمارسها البسطاء من عامة الناس, فممارساتنا الخاطئة لا تتحمل مسؤوليتها عقيدتنا ولا إيماننا بقدر ما تتحمله ثقافتنا وقراءتنا الثقافية لمثل هذه المواضيع. فلنأخذ أولا موضوع السحر باعتباره الموضوع الأكثر سخونة والأكثر شيوعا بين الناس ولعله الأكثر رعبا وتخويفا لهم, ولنبدأ بكيفية حصول الساحر على مثل هذه القدرة المخيفة في التأثير في الناس وقضاياهم وأمورهم وشؤونهم. بخصوص هذا الأمر علينا أن نعرف أن روح الإنسان هي قوة كما الجسد قوة يتحرك بها ويأكل بها ويعمل بها ويستطيع الإنسان أن ينمي هذه القدرة والقوة الروحية التي مداها أكبر وأكبر بكثير من قوة الجسد. وهناك طريقان أمام الإنسان لتحقيق مثل هذه الغاية, الطريق الأول عندما يرتقي الإنسان بروحه إلى الأعلى ويتقرب من الله سبحانه وتعالى بالعبادات والأعمال الصالحة والإخلاص في العمل والترفع عن الأهواء والأطماع والاجتهاد في إصلاح الفاسد من أمور الدنيا وعند ذلك قد يكرم الله هذا الإنسان ببعض الكرامات والقدرات التي ليست بمقدور الإنسان العادي القيام بها, وكلما ارتقى هذا الإنسان بروحه إلى الله فتح الله له المزيد من الكرامات والمزيد من القدرات التي قد لا نراها إلا عند القليل من الناس وهم الأولياء والرجال الأتقياء والصالحون. وهؤلاء الأولياء والصالحون لا يستخدمون قوتهم الروحية هذه إلا من أجل الخير وما يعود بالنفع والصلاح على العباد والبلاد. أما من يسلكون الطريق الآخر وهو طريق الانحدار والهبوط بالروح إلى عالم الشياطين فإن الشياطين وبما عندهم من علوم ومعارف يتكفلون بتعليم هؤلاء الناس وتدريب أرواحهم على بعض المهارات التي تمكنهم من القيام بأعمال وأمور لا يستطيع الإنسان العادي القيام بها وهؤلاء هم السحرة. والشياطين لا يطلعون الإنسان على علومهم ولا يبذلون الجهد في تدريب أرواحهم من دون ثمن وثمن باهظ جدا لأن على الإنسان لكي يكون ساحرا وأن ينال رضا الشياطين عليه أن يقوم بأعمال شيطانية, فعليه أن يكفر وعليه أن يهين المقدسات وعليه أن يخالط الأمور النجسة لكي تتشرب روحه بكل ما هو نجس وعليه ألا يجعل للضمير والرحمة مكانا في نفسه لأنه قد يقوم بأعمال تتعفف النفس البشرية الطبيعية من القيام بها. وحتى الجرائم من قتل وسرقة وهنك أعراض وإلحاق الضرر بالناس وتشويه سمعتهم هي كلها أمور ومتطلبات لا بد من الساحر أن يمارسها وأن يقدمها كقربان لأسياده من الشياطين والكبار من أسياده السحرة كي ينال رضاهم وبالتالي يفيضون عليه من بركاتهم الشيطانية. فالساحر ـ وبفضل الشياطين من ورائه ـ يمتلك القدرة والقوة الروحية في التأثير في حياة الناس ولكن ليس كل الناس. فالإنسان الخائف والإنسان الضعيف الإيمان بالله سبحانه وتعالى والإنسان الذي يبالغ في إيمانه بقدرة السحر والسحرة في التأثير في حياته والإنسان المهلهلة روحه والإنسان المخترق روحيا لكثرة ما قام به من تعديات على حقوق الآخرين أو لمساعدته ورضاه بإلحاق الضرر بالناس, هذا هو الإنسان الذي سيكون ضحية للسحر, وهذا هو الإنسان الذي سينال السحرة منه بعملهم وشرهم. إن الإنسان حاله حال أمنا الأرض, فالأرض تحتمي بغلافها الجوي من الشهب الحارقة والأشعة الضارة والصخور الضالة. وعندما عانت الأرض من ثقب في غلافها الجوي تداعى الكثير من العلماء للاجتماع والتباحث لأن هناك الكثير من الأشياء الضارة ستجد طريقها إلينا إن لم نجد طريقة سريعة نرمم بها هذا الثقب ونحمي أنفسنا وحياتنا بعد أن نعيد الأمور إلى طبيعتها. فالإنسان الواثق من نفسه والإنسان القوي الإيمان بربه والإنسان الذي يهتم بتقوية روحه والإنسان الذي يؤمن بالسحر ولكن لا يخاف منه ولا يبالغ من الهيبة منه لأنه يؤمن بالقضاء والقدر وأن الابتلاء في هذه الحياة هو جزء من طبيعتها وأنه ليس بمقدور أحد أن يضره إذا ما تحصن بالله واحتمى به وطلب العون والرعاية منه, وأما إذا اختار البعد عن الله والإيمان بقدرة غير الله في حمايته فهو الذي وضع نفسه تحت رحمة السحر والسحرة والشياطين من ورائهم وعليه ألا يلوم إلا نفسه. إن الإنسان الذي يهتم بتقوية روحه فإن روحه القوية والمتيقظة ستتكفل بإحاطته بغلاف نوراني يصد كل ما يرسله السحرة من أعمال شريرة تريد المساس بروحه وتحرق كل أفعالهم التي تريد الإيقاع به والتسلط عليه, وإذا كان هناك من ثقب في هذا الغلاف النوراني بسبب معصية ارتكبها ذلك الإنسان أو ظلم مارسه بحق الآخرين فإن المعوذتين, وهما سورتان عظيمتان في القرآن, إذا قرأهما الإنسان فإنهما كفيلتان بإرسال صواريخهما الحارقة لتفتك بكل عمل أو فعل شرير أراد به السحرة الإضرار بهذا الإنسان واستطاع أن ينفذ من تلك الثقوب. وهذه نعمة يتفضل بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان الذي يحتمي به ويؤمن بأنه كإنسان قادر على أن يكون في مأمن من شر السحر والسحرة ومن دون أن يستعين بأحد من ذلك غير الله. وأما الحديث عن الشياطين وقدرتهم على إيذاء الإنسان وكيف يستطيع الإنسان بفهمه ملابسات هذا الموضوع أن يقي نفسه ويحمي روحه من أفاعيلهم وأعمالهم التي تريد الشر به, فللموضوع بقية وللحديث تتمة ونسأل الله الرحمة بنا وأن يعيننا على كل السحرة والحساد والشياطين جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي