اقتصاد بأسلوب الدائرة المغلقة
من المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي كان فيه بيل جيتس يتحدث الأسبوع الماضي في الرياض عن أهمية العلاقة بين تطبيق تقنية المعلومات ووجود أنظمة تعليم متقدمة متوافقة مع تشريعات تواكب التطور السريع لقطاع تقنية المعلومات، كانت مجموعة من طالبات الماجستير في المذنب يقطعن مسافة 200 كيلو متر إلى كلية التربية في الرس ذهاباً وإياباً للاستماع من خلال شبكة تلفزيونية مغلقة إلى محاضر من الرياض. حان الوقت لأن تنطلق المرأة خارج تعليم الدائرة المغلقة ونفتح المجال لتطبيق تقنية المعلومات في كلية التربية للبنات في المذنب وغيرها من الكليات. الخروج من الدائرة المغلقة يعني أيضاً الاعتراف بأن علينا تطوير جامعاتنا عوضاً عن اتهام التصنيف العالمي الذي وضع الجامعات السعودية في ذيل قائمة جامعات العالم بأنه يفتقر إلى الأسس العلمية والأكاديمية.
الاستثمار في الأسهم أصابته أيضاً عدوى ثقافة الدائرة المغلقة، فقد سمعنا تصريحات تطمئن المواطن أن أمورنا طيبة في وقت كان مؤشر السوق يتجه بسرعة الصاعقة إلى أقل من ثمانية آلاف نقطة فيصيب المواطنين بزلزال قوته ثماني درجات على مقياس رختر. لا شك أن التصريح عن اتخاذ تدابير احتياطية لضمان سلامة المصارف في فترة انهيار الأسهم هو توجه سليم، ولكن ماذا عن سلامة أكثر من أربعة ملايين مواطن فقدوا ممتلكاتهم وثقتهم بالسوق نتيجة لما يُطْلَق عليه تارة "تصحيحاً" وتارة أخرى "أسبابا غير جوهرية"؟
للخروج من الدائرة المغلقة يجب فصل الصناديق الاستثمارية عن باقي الأعمال المصرفية الأخرى، وألا نطلق مصطلح "تصحيح السوق" جزافاً، خاصة في الوقت الذي تخسر فيه السوق أكثر من 60 في المائة من قيمتها خلال أسابيع ويتبخر أكثر من تريليون ونصف التريليون ريال بسرعة صاروخ عابر للقارات في حين تتمتع قلة من الهوامير بنصيب الأسد.
ثقافة الدائرة المغلقة هي عدم مساءلة المتلاعبين في سوق الأسهم وكأن ليس هناك أي سلطة "أو صانع للسوق" تتدخل وتوقف هذا الانهيار غير المبرر. هناك من يستفيد طبعاً من تراجع السوق، لكن لسبب ما لا تُتَخَذ أي تدابير بحقهم. وبينما بلغت خسائر القيمة السوقية للأسهم منذ هزة شباط (فبراير) الشهيرة وحتى الآن نحو 1.8 تريليون ريال، ويستمر تسييل المحافظ الكبيرة وانتزاع علاوات الإصدار الفاخرة، يستمر الهلع اليومي وفقدان الثقة، ولا يبدو أن هيئة سوق المال معنية أو مهتمة أو حتى تفكر في قفل السوق مؤقتاً لدراسة الأوضاع بدلاً من تصريحات "ليس لدينا ما نقول" وأن خسائر الأسهم "غير مبررة". بعد أن خسرت الصناديق الاستثمارية أكثر من 60 في المائة من رساميل المواطنين، المفترض أن تعترف هيئة سوق المال بشجاعة أن سوقنا المالية مختلة وتحتاج إلى وقت طويل للتصحيح، خاصة أن تغيير قطع الغيار والحلول المؤقتة لم تساعد على إصلاح خلل التشبع البيعي الجماعي. يجب أن نعترف أنه ليس لدينا سوق ناضجة لا تأسيساً ولا عمقاً ولا ثقافة ولا تنظيماً ولا رقابة.
تنمية الاستثمارات الصناعية بأسلوب الدائرة المغلقة تتجلى في أبهى صورها عندما نتحدث عن عزمنا على تحقيق إنجازات صناعية كبيرة في الوقت الذي مازالت فيه مساهمة القطاع الصناعي تتعثر دون الإمكانات أو الطموحات أو حتى التعريف بصناعاتنا عالمياً. مفوض الصناعة الألماني جيرد دوبنار يقول إن الشركات الألمانية الصناعية تجهل إمكانات السوق السعودية وقدراتها المالية. كذلك أعلنا عن خطة لفتح استثمارات ضخمة في قطاع البتروكيماويات ليصل حجمه إلى 200 مليار دولار بحلول 2010، إلا أننا لا نعزز مهارات القوى البشرية الوطنية من خلال تناسب مخرجات مؤسسات التعليم مع احتياجات الشركات الصناعية، ناهيك عن تعثر تطوير برامج التدريب الصناعي لتلبية الاحتياجات المطلوبة.
الخروج من الدائرة المغلقة يتطلب الاستمرار الجاد في تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي، خاصة الإسراع في تنفيذ سياسات التخصيص والاستثمار. أنادي بضرورة الإسراع في تنمية القطاعات غير النفطية لأن ذلك سيساعد على زيادة معدلات النمو وتنويع مصادر الدخل والتوظيف لتأسيس قاعدةٍ اقتصاديةٍ صلبة وقوية. لعلنا نمنح تسهيلات خاصة للمشاريع ذات الإسهام الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، خاصة لتلك المنشآت التي تسهم في التنمية الشاملة وتقوم بتوظيف وتدريب السعوديين وتحل مشكلة البطالة. عندها فقط نكون قد اقتربنا من اكتشاف الحلول المناسبة للخروج من الدائرة المغلقة.