بر الوالدين
يحث الدين والعرف على البر بالوالدين بعدة أشكال وبأساليب متعددة ومتنوعة، وهناك من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عدد كبير يُرغب ويُرهب في هذا الجانب. كما أن العرف والعقلاء والكثير من أخيار الناس يتصفون بهذه الصفة الجميلة، التي تدل على الوفاء والتراحم فيما بين الأهل والأسرة، ويحرص البعض على أن يكون نسبه من عائلة تتصف بالتراحم وبر الوالدين لأن ذلك ينعكس على حياته ومستقبله ومعاملة أبنائه له وبرهم به.
صديقي عبد العزيز الصالح يوافقني الرأي في أن كل منا يحب ويحترم والديه ويحاول جاهداً الفوز برضاهم والبر بهم، لكنه يختلف في حبه وتعلقه بوالديه عن الآخرين، فهما يسمحان له ويعطيانه الفرص للبر بهما، وهو لا يألو جهدا في الاستفادة من هذه الفرص للفوز برضاهما.
مما لا شك فيه أن ثقافتنا الدينية والاجتماعية ترفع من قدر من يبر بوالديه، بل ويزيده احتراما وتقديرا بين الآخرين، لكن السؤال الأهم، ماذا عن الوالدين، هل يعطون الفرصة لأبنائهم للبر بهم؟
هناك الكثير من الآباء لا يعطي مجالاً لأبنائه كي يمارسوا "البر" ويستمتعوا بذلك ويتعودوا عليه، بحجة أنه مازال قادرا على عمل كل شيء بنفسه، أو أنه ليس بحاجة إلى هؤلاء الصغار، أو بحجج وأعذار واهية يسد بها أبواب تعليم أبنائه البر والإحسان بوالدهم.
كما أن هناك أخطاء كبيرة يقترفها الوالدون بحق أنفسهم وبحق تربية أبنائهم، عندما يحاولون أن يقف أبناؤهم بهذا الجانب ضد الآخر، وعدم احترام بعضهم بعضا أمام أبنائهم مما يقلل من قدرهم وأهميتهم في عيون وقلوب وعقول أبنائهم.
صحيح أننا مجتمع محافظ، وأن بنا الخير الكثير تجاه والدينا، ولكن هناك الكثير من حالات عقوق الوالدين، خاصةً الأم، وبنسبة كبيرة لا يستهان بها، فإلى متى ونحن نتجاهل هذه الأمور ولا نحاول بحثها ودراستها وإيجاد الحلول العلمية لها، خاصة وأن لدينا من المحفزات الدينية والثقافية الكثير مما يصب في هذا الجانب؟.
هناك الكثير من الآباء يحاول أن يكون أبناؤه مثله، ويضرب لهم مثالاً بنفسه عندما خرج من قريته، أو باديته ليعتمد على نفسه ويكوّن نفسه، وينسى أو يتناسى أن الظروف قد اختلفت وتغيرت، ولو أن أحدا كرر ما فعله سابقا، بالمسار نفسه، لأصبح عالة على نفسه وعلى غيره.
لماذا يحاول بعض الآباء تناسي الظروف والمتغيرات التي حدثت منذ عشرات السنوات؟
لماذا لا يكون بعض الآباء رفقاء عند تعاملهم مع أبنائهم ولا يقللون من قدرهم أمام الآخرين؟
لماذا ولماذا أكثر من أي وقت مضى أبحث لها عن إجابات في تصرفات وعقول بعض الآباء تجاه أبنائهم.
إن عملية التربية أمر معقد للغاية، وبسيط للغاية، في الوقت ذاته. فهل كنا نسمع أو نرى أحداً رمى والديه في دور العجزة، أو في سكن خاص مهجور، ولا يزورهما إلا مرة في الشهر، فما بالنا نرى ارتفاع هذه النسب في مجتمعنا وعقوق الوالدين بأشكال وصور متعددة ولا نبالي، بل ونغمض أعيننا وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد؟
أصبح لزاماً على المجتمع والقائمين على تنميته تسخير الطرق والوسائل التي تساهم في ذلك مثل: المسجد، المدرسة، مواقع العمل، ووسائل الإعلام لتثقيف الآباء قبل الأبناء بكيفية تربية أبنائهم وتعليمهم البر والإحسان الى والديهم ومن ثم غرس هذا الخلق في عقول وقلوب الأبناء كي نتخلص من هذا الوباء الذي انتشر خلال سنوات معدودة وبأشكال لم يسبق لها مثيل، بحجج اقتصادية، ظروف العمل، وغيرها من الأعذار الواهية كي يبرر الشخص لنفسه عقوقه بوالديه. والله من وراء القصد.