مشكلة الفقر .. إعتبارات موضوعية تؤخر الحل
قبل أيام ذكر وزير الاقتصاد والتخطيط في حديث له بمناسبة إطلاق خطة الوزارة الاستراتيجية لتحقيق الأهداف التنموية الألفية, أنه تم القضاء على 50 في المائة من حالات الفقر المدقع ونصف حالات الجوع في البلاد، وأنه سيتم القضاء على الفقر بشكل نهائي بحلول عام 2009، أي بعد أقل من عامين، من خلال السياسات والبرامج التي ذكر أنها أعدت في هذا الشأن دون أن يحددها. بعد يوم واحد فقط من هذا التصريح، قال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للضمان الاجتماعي أن ما يزيد على 186 ألف أسرة قد تم ضمهم إلى الضمان الاجتماعي خلال الفترة من محرم 1427هـ إلى صفر 1428هـ بعد أن تم التأكد من احتياجهم. ما يعني أن الفقراء المحتاجين لعون الدولة قد زاد عددهم خلال عام واحد فقط بما يقرب المليون مواطن ومواطنة، أو أن من تصنفهم وزارة الشؤون الاجتماعية على أنهم فقراء في حاجة لمعونة الضمان الاجتماعي, قد أضيف إليهم العام الماضي وحده نحو 6 في المائة من إجمالي عدد المواطنين.
لذا فإن بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن مشكلة الفقر في تفاقم وليست في طريقها للتلاشي، وإن كان هناك من جديد حول مشكلة الفقر فهو أن انهيار سوق الأسهم وما ترتب عليه من زيادة هائلة في مديونية الأفراد قد زاد من شريحة الفقراء وقضى على شريحة واسعة من أفراد الطبقة المتوسطة في المجتمع السعودي، بتحول كثير ممن كانوا خارج نطاق دائرة الفقر إلى فقراء، نظرا لأن ما يبقى من دخلهم بعد حسم القسط الشهري المستحق للبنوك أقل من أن يفي بمتطلباتهم المعيشية. وموجة الغلاء وارتفاع الأسعار، التي لا تعكسها تقديرات معدلات التضخم بأي مستوى مقبول، تسببت في تفاقم مشكلة الفقر وزادت من معاناة الفقراء معيشيا. وحديثنا المستمر عن مشكلة البطالة دون اتخاذنا أي خطوة حقيقية لحلها، حد من قدرة المواطنين على مساعدة أنفسهم على الخروج من دائرة الفقر والحاجة، فمعظم ما يوجد في اقتصادنا من فرص عمل في ظل هذه الطفرة التي تعيشها بلادنا، تستفيد منها في الغالب شعوب البلدان الأخرى، كما يبدو واضحا من النمو الهائل في تأشيرات الاستقدام التي زادت خلال العام الماضي بنسبة 100 في المائة وصولاً إلى ما يزيد على 750 ألف تأشيرة وفقا لبيانات وزارة العمل، أما المواطن الباحث عن عمل فإن خرافة "عدم توائم مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل" تقف له بالمرصاد وتعوق توظيفه، وإلى أن نوجد حلا لهذه الخرافة التي اختلقت لتفادي توظيفه، فإن عليه البقاء عاطلا عن العمل أو القبول بالعمل بأجر متدن جدا لا يسد رمقه، ولن يجد من يحميه من سطوة وجشع القطاع الخاص وإدمانه توظيف العمالة الأجنبية المتدنية الأجر.
ما يعني أننا ما زلنا في حاجة إلى وضع وتطبيق سياسات فاعلة محددة تكافح الفقر يلمس أثرها المواطن بصورة مباشرة، تقوم بشكل أساسي على إيجاد حل لمشكلتي البطالة وتدني مستويات أجور العمالة المواطنة في القطاع الخاص، التي سيتكفل حلهما بالقضاء الفعلي على معظم، إن لم يكن كل حالات الفقر في بلادنا. وهذا الانفصام بين التحسن الكبير في وضع الدولة المالي وأحوال معظم المواطنين الذي ترتب عليه توسع نطاق الفقر ونمو شريحة اجتماعية ترى أنها خارج نطاق الاستفادة من الأوضاع المالية الجيدة للدولة، يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن هناك خللا واضحا في سياساتنا الاقتصادية، جعلها غير قادرة على حل أي من مشكلاتنا الاقتصادية الأساسية، وأن أجهزتنا التنفيذية وبدلا من تبني سياسات تسهم في حل مشكلاتنا الاقتصادية بفاعلية، أو على أقل تقدير الاعتراف بقصور أدائها وعجزها عن وضع الحلول المناسبة لتلك المشكلات، قد تكون وجدت حلا أسهل بقولها إن جميع مشكلاتنا حلت أو في طريقها للحل.