ردود الأفعال المختلفة حول تسويق وحدات السحب الخاصة

أحدث تشو شياوشوان محافظ بنك الصين الشعبي انطباعاً قوياً قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين الأخيرة حين قال إن حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي لابد أن تحل محل الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية. ولقد أثارت هذه الفكرة ردود أفعال مختلطة.
فقد اعترف من تعاطفوا معه بالتناقضات التي تحيط بنظام، حيث تستخدم عملة وطنية على مستوى دولي. إنه لأمر مفهوم أن تسعى البنوك المركزية إلى جمع المزيد من الاحتياطيات مع نمو اقتصاد بلدانها. ولكن إذا كانت هذه الاحتياطيات في الأساس في هيئة دولارات فإن الطلب المتزايد على الدولار من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بتمويل عجزها الخارجي بتكاليف منخفضة إلى حد مصطنع. وهذا يسمح بالتالي بتراكم الخلل في التوازن، الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى انهيار محتم. ولقد سلطت الأحداث الأخيرة الضوء على هذه المشكلة ـ وهذا يعني أن محافظ بنك الصين الشعبي كان على حق في الدعوة إلى العمل بنظام مختلف.
ولكن المتشككين يتساءلون ما إذا كانت حقوق السحب الخاصة قد تحل محل الدولار على الإطلاق كعملة احتياطية رائدة، لسبب بسيط وهو أن حقوق السحب الخاصة ليست عملة. إنها في الحقيقة وحدة محاسبية مركبة يصدر بها صندوق النقد الدولي القروض لأعضائه.
وهذه المبالغ يمكن تحويلها إلى دولارات أو عملات أخرى لدى الصندوق، ومن الممكن استخدامها في المعاملات المالية بين البلدان الأعضاء بصندوق النقد الدولي، ولكن لا يجوز استخدامها في المعاملات المالية الأخرى التي تشترك فيها البنوك المركزية والحكومات. ولا يمكن استخدامها للتدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية أو في المعاملات المالية الأخرى مع المتعاملين في السوق. وهذا يعني أن حقوق السحب الخاصة ليست وحدة جذابة للعمل كاحتياطي رسمي.
ولن يكون من السهل تغيير هذه الحقائق. فعلى الرغم من المحن والبلايا التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي، يظل الدولار كورقة مالية هو الشكل المهيمن للاحتياطيات المالية بسبب القدر الفريد الذي تتمتع به أسواق الولايات المتحدة من العمق والسيولة. فالبنوك المركزية تستطيع أن تشتري وتبيع الدولارات دون تحريك تلك الأسواق. وهناك عامل مريح آخر يتلخص في استخدام الدولار على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من المعاملات المالية الأخرى. ونتيجة لهذا فلم يتمكن حتى اليورو من تحدي الدولار بدرجة خطيرة باعتباره العملة الاحتياطية المهيمنة، ولسوف يكون هذا أصعب كثيراً بالنسبة لحقوق السحب الخاصة.
بيد أن صعوبة هذا الأمر لا تعني أنه مستحيل. فإذا ما كانت الصين جادة في رفع حقوق السحب الخاصة إلى مكانة العملة الاحتياطية فينبغي عليها أن تتخذ الخطوات اللازمة لخلق سوق سائلة من مطالبات حقوق السحب الخاصة، وتستطيع أن تصدر سندات خاصة تهيمن عليها حقوق السحب الخاصة. والأفضل من ذلك أنها تستطيع تشجيع غيرها من البلدان الأعضاء في مجموعة العشرين على الاقتداء بها. وسيترتب على هذا ثمن، حيث إن المستثمرين في هذه السندات سيطالبون في مستهل الأمر بعلاوة مجازفة مستحدثة. ولكن لا شيء يأتي بالمجان. وسيكون الثمن بمثابة استثمار في نظام دولي أكثر استقراراً.
بطبيعة الحال، هناك محاولة سابقة بُذِلَت لخلق سوق تجارية من المطالبات التي تهيمن عليها حقوق السحب الخاصة. ففي سبعينيات القرن العشرين تم إصدار قدر محدود من الديون التي تهيمن عليها حقوق السحب الخاصة من قِـبَل البنوك التجارية، وسندات تهيمن عليها حقوق السحب الخاصة من قِـبَل الشركات. ولكن هذه الجهود انتهت إلى لا شيء. فنظراً للسيولة التي يتمتع بها الدولار كان من المستحيل تجاوزه.
إن التغلب على هذه الميزة سيتطلب الآن أن تبادر جهة ما إلى العمل كصانع سوق للمعاملات المالية الخاصة والرسمية، فضلاً عن دعم السوق في مرحلته الأولية. والجهة الواضحة القادرة على الاضطلاع بهذه المهمة هي صندوق النقد الدولي. ويمكن للصندوق أن يكون على استعداد لشراء وبيع مطالبات حقوق السحب الخاصة لكافة القادمين الجدد، سواء كانوا ينتمون إلى جهات خاصة أو رسمية، بفارق ضيق في سعر العرض/ المطالبة، حيث تتمكن حقوق السحب الخاصة من منافسة الدولار.
اكتسب الدولار مكانته الدولية كعملة احتياطية في عشرينيات القرن الـ 20، حين بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي المؤسس حديثاً آنذاك في شراء وبيع الحيازات الدولارية، فعمل بذلك على دعم السوق وتعزيز سيولته. وإذا كان المجتمع الدولي جاداً بشأن حقوق السحب الخاصة باعتبارها عملة دولية، فلسوف يكون لزاماً عليه أن يمكن صندوق النقد الدولي من القيام بالمثل.
ومرة أخرى، سيترتب على هذا ثمن. ذلك أن صندوق النقد الدولي سيضطر إلى استخدام موارد حقيقية لدعم السوق إلى أن يرى صانعو الأسواق الخاصة فائدة واضحة مترتبة على تقديم هذه الخدمات بتكاليف مماثلة. ولابد أن يوافق حملة أسهم صندوق النقد الدولي على تحمل هذه التكاليف. ولكن مرة أخرى يتعين علينا أن نتذكر أن هذه التكاليف ستكون استثماراً في نظام نقدي عالمي أكثر استقراراً.
إن تحويل حقوق السحب الخاصة إلى عملة دولية حقيقية سيتطلب التغلب على عقبات أخرى. فلابد أن يكون صندوق النقد الدولي قادراً على إصدار حقوق سحب خاصة إضافية في أوقات النقص، كما حدث حين وفر بنك الاحتياطي الفيدرالي مقايضات الدولار لضمان السيولة الكافية للدولار أثناء النصف الثاني من عام 2008. وفي الوقت نفسه لابد أن توافق البلدان التي تمتلك 85 في المائة من سلطة التصويت في صندوق النقد الدولي قبل أن يصبح في الإمكان إصدار حقوق السحب الخاصة، وهذا لا يشكل وصفة لتوفير السيولة.
لا بد أيضاً من تمكين إدارة صندوق النقد الدولي حيث يصبح بوسعها اتخاذ القرار بشأن إصدار حقوق السحب الخاصة، تماماً كما يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يقرر تقديم مقايضات العملة. ولكي تتحول حقوق السحب الخاصة إلى عملة دولية حقيقية فلابد أن يتحول صندوق النقد الدولي أولاً إلى ما يشبه البنك المركزي العالمي وأن يعمل كملاذ أخير للإقراض.
قبل حلول الأزمة الحالية كانت مثل هذه الأفكار لترفض على الفور. وحتى في وقتنا هذا فلن تتجسد هذه الأفكار بين عشية وضحاها، ولكنها في الواقع تشكل انعكاسات حقيقية للتصريحات التي أدلى بها محافظ بنك الصين الشعبي تشو شياوشوان.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي