وقفة تقويمية لمدارس تعليم قيادة السيارات

تخطت الحوادث المرورية في مجتمعنا مرحلة الوصف بأنها ظاهرة سلبية إلى مرحلة كونها مشكلة اجتماعية تنغص حياتنا فمنذ اللحظة التي نستقل فيها السيارة ونغادر منازلنا لنتوجه إلى العمل أو قضاء مستلزمات الحياة إلى اللحظة التي نعود فيها إلى المنزل، ونحن نطلب من الله أن يحفظنا وجميع المسلمين منها، ومع التسليم المطلق أن الحوادث المرورية الكبيرة والصغيرة منها على حد سواء هي من قضاء الله، لكن هل يمنع ذلك أن نطرحها للنقاش ونحدد أسبابها ثم نقترح حلولاً جذرية لها؟ إن أسباب الحوادث المرورية عديدة منها ما يعود لعوامل طبيعية كالطقس، ودرجة الحرارة، ومنها ما يعود إلى المركبة أو إلى العنصر البشري، ومنها ما يعود إلى الأنظمة المرورية، ومناهج التعليم والتدريب على القيادة. وهذه الأخيرة من وجهة نظري المتواضعة تعد سبباً رئيساً في التأثير في نسبة حوادث المرور بالسلب أو الإيجاب.
ففي الولايات المتحدة مثلا تقوم مدارس تعليم قيادة السيارات بتنفيذ دورات تدريبية مسائية وصباحية يلتحق بها الراغبون في الحصول على رخصة قيادة السيارات، حيث يتم خلال الدورة استخدام أساليب التدريب النظرية مثل المحاضرة لإكساب المتدرب المعارف النظرية ذات العلاقة بأنظمة المرور وحقوق المشاة، وآداب القيادة، إلى جانب استخدام وسائل وتقنيات التدريب المساعدة مثل الأفلام التعليمية وأجهزة محاكاة الواقع وغيرها لتنمية المهارات، وفي نهاية الدورة تتاح للمتدرب القيام بعرض عملي لمهارات القيادة تحت إشراف المختصين في المدرسة، وبعد اجتيازه الاختبار، يحصل على شهادة تؤهله للحصول على رخصة قيادة السيارة من جهات الاختصاص، وهذه الرخصة صالحة لعدد من السنوات، ولا تجدد إلا بعد اجتياز الفرد الاختبارين النظري والعملي للتأكد من توافر المهارات وعدم اضمحلالها نتيجة لعامل الزمن.
وحيث لم تتح لي فرصة التعامل مباشرة مع مدرسة تعليم قيادة السيارات في مجتمعنا ولكن أنا وكثيرون غيري في المجتمع غير راضين عن خريجيها، الذين يعرضون الأرواح والممتلكات للخسائر الفادحة. وتعبيراً عن عدم الرضا اطرح فيما يلي عددا من التساؤلات آملا أن نتوصل مع القارئ الكريم إلى إجابة لها. والتساؤلات هي:
ـ ما عدد الساعات التدريبية التي يقضيها المتدرب في مدرسة تعليم القيادة، وما نوع الخبرات النظرية والعملية التي يمر بها؟
ـ على مدى الـ 30 عاماً الماضية وهي عمر مدارس تعليم قيادة السيارات في مجتمعنا، هل تم إجراء الدراسات التقويمية لكفاءة وفعالية هذه المدارس، من حيث درجة مساهمتها في تطوير مستوى جودة القيادة، وخفض نسبة الحوادث المرورية؟
ـ هل طلبت مدارس تعليم قيادة السيارات من جهات الاختصاص بيانات وإحصائيات عن الممارسات الشائعة الخاطئة التي تصدر من قائدي السيارات ليتم تطوير مفاهيم واتجاهات المتدربين حولها قبل حصولهم على الرخصة، ومن هذه الممارسات مثلآً السير في عكس الاتجاه، وعدم احترام المشاة، وعدم التوقف عند إشارة المرور الحمراء في الساعات المتأخرة من الليل، وعدم الوقوف في الأماكن المخصصة بطريقة صحيحة، وترك السيارة ومحركها يعمل ومن ثم الندم بعد تعرض السيارة للسرقة.
ـ نظراً لأن التوعية المرورية بوضعها الحالي غير كافية، فهل يوجد لدى مدارس تعليم قيادة السيارات المدربون الوطنيون المؤهلون ليقوموا بإعادة تدريب الأفراد الذين تزخر سجلاتهم المرورية بنسبة عالية من الحوادث ليعودوا إلى الشوارع والطرقات وهم متمكنون من مهارات القيادة على أصولها السليمة؟
خاتمة: القيادة علم وفن وذوق، وأرواح أبناء الوطن وضيوفنا المقيمين غالية، ومن واجبنا المساهمة في خفض نسبة الحوادث المرورية، وآمل من مدارس تعليم القيادة أن تبدأ معنا بأول خطوة بتطوير مستوى جودة برامجها التعليمية والتدريبية وأساليب التدريب فيها، لتحقق رضاء عملائها من داخل المملكة وخارجها حتى تسهم بشكل مؤثر في التقليل من نسبة الحوادث المرورية القاتلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي