تحديات تواجه الهيئة العامة للإسكان
عندما أقرأ بعض التقديرات حول حاجة المملكة من المساكن التي وصلت حسب بعض المختصين إلى مليون وحدة سكنية، وعندما أطلع على أسعار الأراضي السكنية في بعض أحياء مدينة الرياض ينتابني شعور بأن مشكلة الإسكان لن تحل خلال العقد المقبل بل ستصبح قضية مركزية تتناولها الأقلام بالتحليل والتنظير سنوات طويلة دون حل مثلها مثل قضية السعودة التي لن ينساها جيلنا الحالي ولا حتى الأجيال المقبلة.
وفي رأيي أن هناك معادلة غير متكافئة بين دخل الفرد وتكلفة المنزل لن نستطيع معها أن نحل قضية الإسكان دون أن نحل المعادلة نفسها، فإذا كان متوسط دخل الفرد لدينا يقدر بـ 60 ألف ريال في العام، وتكلفة أرخص منزل يمكن أن يشتريه يقدر بنصف مليون ريال، فهذا يعني أن معظم السعوديين, خصوصا من هم دون الأربعين, لن يستطيعوا امتلاك منزل، حتى لو وفرت لهم القروض العقارية أو قنوات التمويل المناسبة، لأنهم ببساطة بالكاد يتدبرون أمورهم الأساسية بهذا المبلغ، فما بالك لو كان هناك قسط يقضم ثلث دخلهم لمدة تزيد على 20 عاما.
نعم لدينا مشكلة إسكان ولكن القضية ليست في ندرة الأراضي المناسبة للبناء ولا في عدم قدرة المطورين على الاستثمار في هذا النشاط, بل تكمن في قدرة المستهدفين, وهم الأفراد, على الدفع النقدي أو حتى الدفع عن طريق الأقساط، وهذا هو الحاصل فعلا في السوق العقارية التي يكثر فيها العرض لكن الطلب متواضع.
فعلى سبيل المثال لو وجدت جهة تقسط دون دفعة أولى وبفائدة تبلغ 5 في المائة كما هو متبع اليوم ولمدة تصل إلى 20 عاما لأصبح القسط الشهري الذي يجب على المشتري دفعه لمنزل تبلغ تكلفته الحالية نصف مليون ريال هو 4166 ريالا, أي أن الراتب الشهري للمشتري يجب أن يكون 12500 ريال، وهذا أمر نادر الحدوث لعدة أسباب أولها أن معظم الشريحة التي لا تمتلك منازل هي من الفئة التي لا تصل رواتبها إلى هذا المبلغ, وثانيها أنه لا يوجد منزل بهذا المبلغ المتواضع, وثالثها أنه لا توجد جهة تقسط دون دفعة أولى, ورابعها وهو الأخير أن معظم الموظفين من تلك الفئة ملتزمون بسداد أقساط للبنوك, ولعل إحصاءات شركة سمة للمعلومات الائتمانية توضح ذلك.
هذا المثال البسيط يوضح بجلاء أن مشكلة الإسكان لن تحل بالمهدئات ولكنها تحتاج إلى مشرط جراح قوي الإرادة ومريض يستطيع تحمل الألم، وأعني بذلك أن الحل يكمن في إما رفع رواتب الموظفين لكي تتناسب مع أسعار المساكن وإما تخفيض أسعار المساكن لتتناسب مع دخول الأفراد وكلا الحلين شديد المرارة.
الحكومة لا تستطيع أن توفر مساكن لأن تكلفة ذلك ستكون باهظة جدا وربما تصل إلى 500 مليار ريال لتوفير الحاجة الحالية فقط البالغة مليون وحدة سكنية، وهي كذلك لا تستطيع أن ترفع الرواتب لأسباب معروفة، إذا فالحل يكمن في تخفيض تكلفة البناء نفسه، ولكن كيف يمكن ذلك؟
من المعروف أن تكلفة البناء المتوسط تبلغ ما بين 800 ريال وألف ريال, للمتر المربع, لكن القضية ليست في تكاليف البناء, بل في قيمة الأرض نفسها التي ينبغي أن تكون مكتملة الخدمات وسعرها المتوسط هو 800 ريال للمتر, وهذا يعني أن تكلفة الأرض تصل إلى نصف تكلفة المنزل.
أخلص إلى أن قضية الإسكان ستجد طريقا للحل لو وجد الأفراد أراضي مكتملة الخدمات يقيمون عليها مساكنهم, وهذا يمكن أن يتحقق إذا ما تم التنسيق بين هيئة الإسكان ووزارة البلديات بخصوص تطوير مخططات حول المدن والقرى بمساحات متوسطها 300 متر مربع وتوزيعها على الأفراد الموظفين، وتم تفعيل قنوات بديلة لتمويل البناء بفوائد معقولة، وإذا ما تم ذلك فعلا أرجو ألا تسمى منح ذوي الدخل المحدود أو المقرود, بل منح الموظفين.