كيف ننظم مهنة التقييم العقاري؟

خرجت أخيراً مجموعة من التوصيات والتنظيمات لمهنة التقييم العقاري في السعودية بعضها اختص بمنطقة معينة من مناطق المملكة، وبعضها عام لجميع أنحاء المملكة، وبمجرد السماع عن أنظمة جديدة يدور في خلد المهتم بهذا المجال أن التنظيم سيكون من صالح مهنته التي يعتاش عليها , ولكن بالنسبة لي، حيث إن لي خبرة في هذا المجال تفوق 13 عاما قد مرت علي طوال تلك السنين مجموعة من المحاولات لتنظيم وتشريع هذه الحرفة، ولكن مع الأسف أن جميع تلك التشريعات ذهبت أدراج النسيان وكنت دائماً أتساءل عن السبب وراء عدم تطبيق تلك التشريعات لهذه المهنة، هل لعدم أهميتها في مسيرة التنمية ؟ أم لعدم جدوى تلك التشريعات؟ وتوصلت في نهاية المطاف إلى سببين أساسيين لعدم نجاح تطبيق تلك الأنظمة وهما :
* افتقار أعضاء تلك اللجان إلى الحيادية، فجميع القرارات والتشريعات التي أطلقت كانت تصب في مصلحة أعضائها ومطلقيها.
* افتقار تلك اللجان إلى الشرعية المطلوبة، فمعظمها لجان توصيات وجميع قراراتها تحتاج إلى جهة تشريعية رسمية تقرها وتطبقها على المستوى العام.
وأود عزيزي القارئ أن أذكر هنا التجربة للفائدة، وهي التجربة الأمريكية في تنظيم تلك المهنة التي أعتبرها ناجحة وقامت بتنظيم تلك المهنة بشكل، كبير ففي عام 1986 وبعد حصول أزمة الرهن العقاري الأمريكي ذلك الوقت، قرر الكونجرس الأمريكي أن يشكل لجنة لتقصي أسباب انهيار الرهن العقاري الأمريكي الذي كبد الاقتصاد العام في ذلك الوقت خسائر طائلة وبعد أن قامت اللجنة بدراسة الأسباب الأساسية لتلك النكسة خلصت إلى أن التلاعب باسعار العقارات التي كانت غير حقيقية ومبالغ فيها الصادرة من قبل مثمنين عقاريين ليس لهم مصداقية أو خبرة في تقييم وتثمين العقارات هي من تتحمل كامل المشكلة (انظر مدى أهمية التقييم العقاري على الاقتصاد) وعلى أساس تقرير تلك اللجنة صدر قرار من أعضاء الكونجرس الأمريكي بتأسيس مؤسسة حكومية خاصة بالتثمين العقاري سميت Appraisal Foundation مؤسسة التقييم وهي تضم في إدارتها رئيسا، وثمانية أعضاء يتم تعيينهم بانتخاب كل أربع سنوات وبتزكية من قبل أعضاء الكونجرس كما أنها تملك سلطة لإقرار أنظمة التقييم العقاري وتقوم بتوفير الدورات التأهيلية المناسبة للمقيمين العقاريين المسجلين فيها، كما أنها تصدر تراخيص المثمنين العقاريين وهي المرجع في التحكيم في قضايا أخطاء وتجاوزات المقيمين ولها الحق في منع أي مقيم عقاري من مزاولة المهنة، كما أن جميع المعتمدين من تلك المؤسسة يخضعون لرقابة دائمة من قبلها ولا يحق لجهة ذات اعتبار أن تقيم عقاراتها من غير الأعضاء المسجلين في تلك المؤسسة الذين يبلغ عددهم أكثر من أربعة آلاف عضو.
وإنشاء تلك المؤسسة عمل نقلة نوعية في تلك المهنة وأعطى مهنة التثمين مصداقية كبيرة، كما أنه وفر مناخا احترافيا يحتذى به وجعل المثمن العقاري يشعر بوجود رقيب ولذلك أصبح يخاف من التقصير أو التلاعب , والجدير بالذكر أن أزمة الرهن العقاري الأخيرة وبعد تشكيل لجنة لتقصي أسبابها من قبل الكونجرس الأمريكي كانت النتيجة تبرئة التقييم العقاري من أسباب تلك الأزمة، إذ كان يعتقد الكثيرون أن التقييم سيكون هو السبب وراءها.
أرجو من جميع الراغبين في تنظيم مهنة التقييم العقاري أن يتحلوا بالاستقلالية والخبرة الكافية والنظر إلى النماذج الناجحة في تنظيم التقييم العقاري في الدول المتقدمة كما أنصحهم بأن يجدوا مظلة رسمية لتشريع وترسيم قراراتهم قبل أن يجتهدوا ويصدروا قرارات ليس لها إلا النسيان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي