لؤلؤة «ثول» التي لم تعرفها «مصوّع» !
في إحدى القصص الشعبية المعطرة برائحة الجدّات ينقذ صياد فقير من أهالي ''ثول'' جنّية مسنّة من أنياب قطيع كلاب هاجمها أثناء وجودها على الشاطئ في ليلة ظلماء.. كانت الجنّية تبحث عن شاب جميل تسحبه خلفها إلى البحر لتغرقه وتتغذى على عظامه كعادتها, لكنها كادت هذه المرة أن تصبح لقمة سائغة في فم كلب جائع لولا تدخل ذلك الصياد الذي اعتقد في بداية الأمر أنها إحدى عجائز القرية قبل أن يكتشف حقيقتها ويحاول الفرار بجلده.. ليقفز وجهها أمامه في كل طريق يسلكه.. لم يجد المسكين حيلة للمحافظة على حياته سوى الاستسلام ومطالبة الجنية بتركه رداً للمعروف.
ألقى كلماته المتوسلة إليها بينما كان صوت أذان الفجر يأتي من بعيد مدثراً روحه الفزعة, وبعد أن كاد ييأس من سماع جواب يبدد صمتها.. طلبت منه قاتلة الصيادين الفقراء أن يلحق بها إلى البحر بحجة مكافأته على صنيعه.. فزع الرجل وتأكد أن ساعته اقتربت, لكن شيئاً ما كان يجذبه للبحر دون شعور ليجد نفسه يجدف بيديه ورجليه في الماء مبتعداً عن الشاطئ حتى استفاق على أشعة شمس الظهيرة وهو عالق بين الأمواج دون أن يلمح أي أثر قريب لليابسة.
''لا إله إلا الله محمد رسول الله'' آخر عبارة نطق بها قبل أن يستسلم لإعيائه ويغمض عينيه مواجهاً الموت غرقاً كمن سبقوه من أبناء قريته الذين كُتب لهم أن يودعوا هذا العالم على يدي عجوز الجن.. أحس بالاختناق والماء يملأ رئتيه.. وفيما روحه تستعد لمفارقة جسده فتح عينيه ولمح وجه العجوز التي كانت تسحبه من رقبته إلى أعماق البحر البعيدة, فما كان منه إلا أن أغمضهما.. وغاص في الظلام.. لم يعلم كم من الوقت مضى وهو على هذه الحال قبل أن يجد نفسه ممداً على الرمال الدافئة والعجوز تمشط شعره بأصابعها.. قفز فزعاً.. فجذبته نحوها ومدت له صرة بحجم رأس طفل طالبة منه أن يفتحها, ويالهول المفاجأة التي تملكته عندما شاهد في الصرّة لؤلؤة ضخمة لم ير ولم يسمع بمثلها في حياته.. أخبرته العجوز بأن الصرة مكافأة له على صنيعه ناصحة إياه أن يبيعها في ''مصوع'' التي تبعد مسيرة يوم عن موطئ قدميه, وأن يعود لقريته قاطعاً البحر بواسطة إحدى السفن التجارية ثم اختفت.
حمل الرجل صرّته ونفذ نصيحة العجوز, لكنه لم يعد إلى قريته فقد انشغل بتجارة اللؤلؤ وبات من كبار تجار ذلك الجزء من العالم, حتى أنه كان يشتري جل اللؤلؤ الذي يحضره الصيادون من قريته والقرى الأخرى ويعيد بيعه على التجار القادمين من آخر الدنيا, ويزداد ثراءً يوماً بعد الآخر قبل أن تفاجئه الأقدار بضياع كل ما جمع على أيدي مجموعة من اللصوص, ليعود قاطعاً البحر إلى قريته فقيراً كما غادرها.. حالماً بإنقاذ العجوز مرة أخرى لتكافئه ويعود لـ ''مصوع'' حتى وافته منيته معدماً لا يكاد يجد قوت يومه.
تذكرت هذه القصة بينما كان العالم كله يشاهد حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله أو لؤلؤة ''ثول'' التي لم تعرفها ''مصوّع''.. لؤلؤة ''ثول'' التي شيدها طموح قائد عظيم بسط الغد أمامه, ورسم تفاصيله بفرشاة أحلامه ليضرب للعالم أروع مثال للتحليق إلى المستقبل بأجنحة التحدي والإيمان والثقة بقدرة سواعد أبناء هذا الوطن على وضعه في مصاف الدول المتقدمة تقنياً في فترة أقصر مما يتصور أفضل المتفائلين, فهنيئاً للوطن بـ''لؤلؤة ثول'' العصرية.. وهنيئاً لـ''ثول'' بهذا القائد الذي يحلق بوطنه نحو غدٍ مشرق مطرز بالحلم.. ومبارك علينا عيد وطننا وحلمنا الكبير.
*(مصوع) قرية وميناء تجاري على سواحل إريتيريا كان أهالي ثول يقطعون إليها البحر الأحمر ليبيعوا فيها حصيلتهم من اللؤلؤ حتى أواخر عهد الملك سعود - رحمه الله.