الصناديق العقارية السعودية .. الواقع .. التحديات .. الآفاق (1 من 2)

يعد قطاع العقارات من أهم وأكبر القطاعات التي تشكل جزءاً كبيراً من اقتصاد المملكة, حيث شهد السوق العقاري في السعودية خلال الأعوام الماضية نشاطاً وتطوراً ملحوظاً على كافة المستويات والأشكال سواء كان ذلك في إنشاء عديد من المشاريع الضخمة والمجمعات التجارية الكبيرة ومجمعات الأبنية السكنية والأبنية الحكومية فضلاً عن مشاريع البنية التحتية العملاقة وإنشاء المدن الاقتصادية العديدة المنتشرة في أرجاء البلاد إلى غير ذلك من المشاريع العقارية، وقد واكب ذلك زيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي يراوح ما بين 3.5 و4 في المائة سنوياً.

وقد تطور قطاع العقار في السعودية في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ فبينما كان نشاطه في السابق يقتصر بشكل رئيس على بيع وشراء الأراضي، بدأ تجار العقار في ممارسة نشاط ما يسمى ''التطوير العقاري'' الذي يعني تطوير الأراضي وإيصال كافة الخدمات إليها قبل تسويقها، كما تطورت طرق الاستثمار في العقارات فأصبحت تتم من خلال بناء الوحدات السكنية وتسويقها وكذلك تشييد المراكز التجارية وتشغيلها.

إن مساهمة ناتج قطاع المال والعقار إلى إجمالي الناتج المحلي سجلت معدلات مرتفعة خلال السنوات من عام 2003 إلى عام 2007م حيث راوحت نسبة مساهمته ما بين 8 إلى 10 في المائة من إجمالي هذا الناتج، كما ارتفعت قيمة حجم ناتج قطاع المال والعقار من نحو 85.8 مليار ريال في عام 2003م إلى نحو 110 مليارات ريال في 2007، أي بمعدل نمو سنوي يبلغ متوسطه نحو5.6 في المائة عن الفترة من 2003 إلى 2007م، مما يشير إلى الإمكانات المتعاظمة المتوافرة لدى هذا القطاع للمساهمة في تنويع مصادر الدخل الوطني، كما ارتفعت مساهمة هذا القطاع في تكوين رأس المال الثابت، حيث يبين ارتفاع قيمة ناتج إنشاءات المباني السكنية وغير السكنية من نحو 60 مليار ريال في عام 2003م أو ما يعادل نحو 47 في المائة من إجمالي رأس المال الثابت في ذلك العام، إلى نحو 101 مليار ريال في عام 2007م، التي تمثل نحو 44 في المائة من إجمالي تكوين رأس المال الثابت في السعودية.

وننتقل بالحديث الآن لإلقاء الضوء على آليات الاستثمار العقاري المختلفة والجديدة منها على وجه التحديد ونعني بها هنا صناديق الاستثمار العقاري التي هي في الأساس صناديق استثمارية منبثقة عن صناديق الاستثمار العامة.

#2#

ففكرة صناديق الاستثمار بصفة عامة تعد قديمة جداً, وقد مرت بعديد من التطورات والتغيرات التي طرأت على عالم الاقتصاد حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وقد بدأ تنفيذ فكرة صناديق الاستثمار على مستوى العالم في أوروبا وتحديدا في هولندا التي ظهر فيها أول صندوق استثماري في عام 1822, تلتها إنجلترا في عام 1870. غير أن البداية الحقيقية للصناديق الاستثمارية بالمفاهيم القائمة الآن تحققت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1924, حينما تم إنشاء أول صندوق في بوسطن على يد أساتذة جامعة هارفارد الأمريكية.

واستمرت بعدها في التوسع والتنوع داخل الولايات المتحدة وخارجها ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية حتى وصلت في عام 1966 إلى نحو 550 صندوقا استثمارياً بلغ معها صافي أصولها نحو 50 مليار دولار أمريكي, وقد استمرت صناديق الاستثمار في التزايد بسرعة حتى وصل عددها الإجمالي في منتصف عام 2005 إلى نحو 56 ألف صندوق استثماري على مستوى العالم, كما فاق صافي أصولها الاستثمارية 16.4 تريليون دولار.

وعلى الصعيد العربي كانت السعودية الأسبق إلى خوض هذه التجربة, حيث أنشأ البنك الأهلي التجاري أول صندوق استثماري باسم ''صندوق الأهلي للدولار قصير الأجل'' في كانون الأول (ديسمبر) من عام 1979, في حين صدرت قواعد تنظيم صناديق الاستثمار السعودية بعد هذا التاريخ بنحو 14 عاماً أي في بداية عام 1993. واستمرت البنوك السعودية نتيجة لنجاح هذه التجربة في إصدار عديد من الصناديق الاستثمارية المتنوعة حتى بلغ عدد صناديق الاستثمار لدى البنوك السعودية 200 صندوق بنهاية 2005 (187 صندوقاً مفتوحاً و13 صندوقاً مغلقاً) و208 صناديق بنهاية عام 2006م، ثم 233 صندوقاً بنهاية عام 2007م، ومن ثم قفز إلى 262 صندوقاً في 2008. والجدولان (1 و2) يوضحان نمو الصناديق الاستثمارية بمختلف أنشطتها وأنواعها في المملكة.

أما بالنسبة لباقي الدول العربية فقد تم خوض التجربة نفسها بنسب متفاوتة من النجاح والإقبال, إلا أنها اتسمت في أغلب تلك التجارب بصدور الصناديق الاستثمارية قبل صدور التشريعات المنظمة لها. وجاءت الكويت ثاني دولة عربية بعد السعودية في خوض تجربة الصناديق الاستثمارية, حيث بدأت تجربتها في عام 1985م, ثم تبعتهما بعض الدول العربية بعد نحو عقد من الزمن حيث قدمت مصر والبحرين وعمان على إطلاق الصناديق الاستثمارية في عام 1994م, ثم المغرب في عام 1995م, ثم أتت لبنان في عام 1996م, وأخيراً الأردن في عام 1997م. كما أنه من المتوقع أن تخوض بقية الدول العربية التجربة نفسها بعد النجاح الذي حققته معظم صناديق الاستثمار في تلك البلدان وفي مختلف دول العالم.

ولمزيد من الإيضاح فإن صناديق الاستثمار تعرف بأنها ''أوعية استثمارية تشتمل على مجموعة من الأوراق المالية يتم اختيارها وفقا لأسس ومعايير محددة تحقق فائدة التنوع الذي يؤدي إلى خفض مستوى المخاطرة الإجمالية للاستثمار''، ووفقاً لهذا التعريف فإن القيمة المالية الإجمالية للصندوق تكون مساوية لقيم الأوراق المالية التي يمتلكها الصندوق وتجزأ القيمة الإجمالية للصندوق إلى وحدات محددة تتباين قيمها وفقاً لأداء الأوراق المالية التي يحتوي عليها. ويتميز صندوق الاستثمار بوجود إدارة متخصصة تسعى إلى إدارة أصوله بمهنية عالية من خلال استراتيجيات استثمارية متعارف ومتفق عليها. وتتفادى استثمارات الصناديق القيود التي تقع عادة على استثمارات الأفراد فيتحقق بها مزيد من القدرة على التنويع فضلاً عن الانخفاض في تكاليف بيع وشراء الأوراق المالية. وتتكون أرباح الصناديق الاستثمارية عادة من أرباح الأوراق المالية السنوية الموزعة, ومن التحسن في أسعارها, وكذلك من المكاسب المالية المتحققة من بيع وشراء تلك الأوراق المالية التي يحويها الصندوق.

أما صناديق الاستثمار العقارية فيمكن تعريفها بأنها عبارة عن ''برنامج استثمار عقاري مشترك يهدف إلى إتاحة الفرصة للمستثمرين فيه للمشاركة جماعياً في أرباح البرنامج، ويديره مدير مقابل رسوم محددة، كما حددت اللائحة اشتراطات الترخيص للصندوق وكيفية طرحه وفيها كثير من الضمانات''.
وقد جاءت هذه الصناديق بديلاً عن المساهمات العقارية بصيغتها القديمة, وهي محكومة باللائحة الصادرة بقرار من مجلس هيئة السوق المالية السعودية برقم (1-193-2006) وتاريخ 19/6/1427هـ وتستند إلى نظام السوق المالية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/30) في 2/6/1424هـ.

#3#

وتعد صناديق الاستثمار العقاري من أدوات الاستثمار ذات المخاطر المتوسطة إلى المنخفضة. ويعود ذلك إلى طبيعة نشاطها العقاري، ورغم محدودية المخاطر في النشاط العقاري إلا أن العوائد الاستثمارية من هذا النشاط تعد عوائد مجزية تفوق مقدار المخاطر المتضمنة في ذلك الاستثمار.

لذلك فإن صناديق الاستثمار العقاري جمعت عديدا من النقاط الإيجابية في الاستثمار العقاري التي من أهمها العوائد الجيدة مع المخاطر المتوسطة, الثقة في إدارتها حيث تشترط هيئة السوق المالية لمنح الترخيص لمديرها أن يكون شركة مالية مرخصة وموافق عليها من قبل هيئة السوق المالية السعودية, وكذلك فإنها تتميز بالشفافية المطلوبة التي فرضتها أنظمة ولوائح صناديق الاستثمار العقارية.

وفي أحد استطلاعات الرأي الذي أجرته إحدى الجهات المتخصصة في الشؤون العقارية مع عديد من المطورين والمستثمرين والمهتمين بالشأن العقاري حول أسباب تعثر المساهمات العقارية أظهرت الدراسة أن أهم هذه الأسباب تكمن في عدم وجود آلية مالية لحفظ حقوق المساهمين أثناء المساهمة وبعدها وإغفالها ضرورة وجود حساب خاص للمساهمة وكذلك ضرورة تعيين مراقب من جهة مستقلة, وكذلك طول مدة الإجراءات وتعقيدها والروتين المستشري في بعض الأجهزة الحكومية, كما أن عدم الوضوح في آلية توزيع الأرباح على المساهمين كانت من الأسباب التي أدت إلى عدم ثقة المساهمين في كيفية حسابها, إضافة إلى ذلك عدم وجود آلية واضحة للتخارج مع المساهمين في المساهمات العقارية.

 وكذلك فإن عدم وجود رقابة على أداء المساهمات العقارية وأداء مديريها من جهة مستقلة من أهم الأسباب التي أدت إلى تعثر بعض المساهمات العقارية.
 ومن الأسباب التي ذكرها من شملهم استطلاع الرأي عدم وجود دراسة جدوى لبعض المشاريع العقارية المراد تطويرها حيث كانت معظم المساهمات تعتمد على المضاربات فقط، ما أدى إلى ارتفاع سريع في أسعار بعض العقارات الخام التي تقع خارج النطاق العمراني وخارج حدود التنمية فضلاً عن عدم وجود آلية واضحة لحصر المساهمين. كما أن هناك ارتجالية كبيرة في توزيع الحصص بسبب قلة خبرة العقاريين بإدارة الأصول المالية, وأخيراً عدم وجود آلية صارمة لتوزيع رؤوس الأموال التي من شأنها أن تمنع تلاعب بعض مطلقي تلك المساهمات العقارية بإمكان مطلق المساهمة شراء أي شيء بتلك المبالغ دون رقيب ولا حسيب.

ومن خلال هذا العرض يمكن الآن معرفة الفروقات الكبيرة بين الصناديق العقارية والمساهمات العقارية، نذكر من أهمها:
1- وجود رقابة صارمة عليها حيث تتمتع الصناديق العقارية برقابة هيئة السوق المالية, في حين لم تكن المساهمات التقليدية العقارية تحت رقابة الجهات الحكومية.
2- كما أن صناديق الاستثمار العقارية تتضمن فتح صندوق وتداول وحداته من خلال نظام واضح, في حين كانت المساهمات العقارية السابقة تلزم حملة الأسهم بالانتظار حتى تصفية المساهمة للحصول على النقد.
3- تعمل الصناديق العقارية من خلال منظومة متكاملة ونظام واحد يطبق على جميع الصناديق بواسطة خيارات متعددة, في حين أن المساهمات العقارية تخضع لنظام المكتب أو الشركة العقارية التي قامت بطرحها.

#4#

4- تلتزم الصناديق العقارية بوقتها وبدقة مواعيدها من خلال إطلاق الصندوق وبرنامجه الزمني وتصفيته وصرف الأرباح لمساهميه, في حين قد لا تلتزم المساهمات العقارية في وقت محدد حتى تتم تصفيتها من خلال بيع المشروع بالكامل الذي قد يتجاوز وقته بكثير.
5- وأخيراً فإن كثيراً من الشركات العقارية لم تقم بتصفية مساهماتها في وقتها المحدد - باستثناء كبريات الشركات العريقة والمشهود لها بالأمانة واحترام مساهميها - بينما في الصناديق الاستثمارية العقارية فإن الفرصة الآن سانحة لها لإثبات قدرتها على التنمية العقارية وتحقيق المكاسب المرجوة منها للمستثمرين.

وبالنظر إلى الصناديق العقارية من حيث أنواعها المختلفة فإنه يمكن تقسيمها حسب الهدف من إنشائها إلى ثلاثة أنواع هي:

1- صناديق تطوير أولي: وهي التي تقوم بشراء الأراضي الخام ثم تقوم بتطويرها بإدخال الخدمات إليها وبعد ذلك تقوم ببيعها.

2- صناديق التطوير الإنشائي: وهي التي تتملك الأرض ثم تقوم بإنشاء وحدات عليها ثم تبيعها.

3- الصناديق التي تهدف إلى تأجير الأراضي أو الوحدات السكنية.

أما حسب معيار المدى الزمني فنجد أنها تنقسم إلى:

1- محددة بمدة محدودة بثلاث سنوات .Short Term

2- طويلة المدى وهي التي تعمل بمدى زمني مفتوح لعدة سنوات Long Term.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي