الستر على أعراض الناس..!
قبل أسابيع قليلة نشرت إحدى الصحف السعودية خبراً بارزاً في إحدى صفحاتها الداخلية عن دهم الجهات الأمنية في محافظة جدة شقة سكنية وجد فيها رجل وامرأة لا تربطهما علاقة شرعية, وكل هذا طبيعي ولا خلاف عليه لكن غير الطبيعي وغير المهني هو قيام الصحيفة بنشر صورة فوتغرافية للرجل والمرأة أثناء القبض عليهما في مساحة تعادل ضعف المساحة التي تضمنت نص الخبر, دون أن تخفي ملامحهما, ولعل الطريف في الأمر أن الرجل المقبوض عليه ظهر في الصورة مبتسماً, ربما لاعتياده مواجهة الكاميرا بهذه الحال, أو لكونه لم يجد بداً من تسجيل انتصار نفسي أخير قبل أن يقاد إلى المحكمة والسجن.
إن ما فعلته الصحيفة المعنية يُعد «تشهيراً صريحاً» برأيي ومن حق الرجل الذي دخلت ابتسامته الأخيرة آلاف البيوت أن يقاضي من نشر صورته, وتعمّد فضحه بهذا الشكل غير الإنساني, وحتى إن كان الرجل جاهلاً بحقوقه, فلا يعني ذلك أن تصمت الجهات الرقابية عن هكذا تجاوز على سمعة الناس وأعراضهم بالتشهير العلني.
ولا أخفيكم أنني تذكرت ابتسامة ذلك الرجل الذي باتت فضيحته بجلاجل عقب تصريح سعادة مدير الأمن العام الفريق سعيد القحطاني أمس الأول خلال افتتاحه ملتقى التواصل التفاعلي مع وسائل الإعلام الرابع بمقر الأمن العام بالرياض.
لقد طالب القحطاني وسائل الإعلام والناطقين الأمنيين في مختلف مناطق المملكة بمراعاة خصوصيات وأعراض الناس بهدف الستر والحفاظ على سلامتهم خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الأمنية, وأن تقتصر وسائل الإعلام والجهاز الأمني على نشر الأخبار التي تحمل أهمية للمجتمع وتحقق أهدافا محددة مثل التوعية بأساليب إجرامية معينة أو بهدف إشعار الفرد بالأمن والاطمئنان والبعد عن نشر جميع أنواع الجريمة أو النشر لمجرد النشر فقط, وهو تصريح حكيم يشكر عليه, وأرى أنه يأتي في مصلحة وسائل الإعلام قبل المتهمين بارتكاب الجرائم لكونه يجنب تلك الوسائل الدخول في دوامة قضايا النشر, ويحافظ على مهنيتها وقبل ذلك كله سمعة الناس.
ولا بد أن أشير هنا إلى أن السباق بين بعض محرري ومراسلي صحفنا المحلية على نشر أخبار الجرائم التي لا تهم الناس ولا تهدف إلى توعيتهم, وإنما الهدف منها الإثارة فقط , لا يدل إلا على ضعف مهنية المتسابقين وعدم ثقتهم بما يمكن أن يقدموه للصحف التي يعملون فيها بعيداً عن تلك الإثارة الممجوجة, التي من شأنها أن تشوه سمعة الوطن والمواطن.
ومن المهم أيضاً أن يفهم ذلك جميع الناطقين الرسميين لجهات الضبط الحكومية, وأن يقدموا مصلحة الوطن والمواطن على شهوة تسجيل الانتصارات على المجرمين والمخالفين للقوانين عبر صفحات الصحف, فنحن نثق بأجهزتنا الأمنية وجهات الضبط الأخرى ونقدر جهودها, دون الحاجة إلى الاطلاع على أخبار لا تقدم ولا تؤخر.