كليجا القحيص

تلقيت للتو من الصديق علي القحيص روايته الأولى بعنوان (الكليجا) وبدأت في تصفحها قبل أن أتوقف لسؤال نفسي أثناء الشروع في القراءة لماذا اختار علي القحيص الكليجا عنواناً للرواية وهي روايته الأولى التي يطلق لها العنان. أعرف كثيرا عن تفاصيل حياة علي القحيص من طفولته المبكرة في شمال المملكة إذ عاش جزءًا من البادية قبل أن يدخل المدن ويغلق الأفق المفتوح في رفحاء والحدود الشمالية وحائل وهضاب الحمادة وأطراف رمال النفود الكبير ليدخل في أرصفة المدن وأبراج المباني المتعاشقة وشوارع الأسفلت وصخب الرياض .. أعرفه عندما كان يرسم الوجوه والأفكار والأحداث في جريدة ''الرياض''، حيث يجسد في رسوماته الكاريكاتورية الأحداث الساخنة لغزو العراق للكويت وحرب التحالف على العراق وحرب لبنان والاستنزاف الدامي بعد الانتفاضة الفلسطينية، كان القحيص ساخناً في رسوماته رغم وداعة الشمال التي تسكنه كان يبكي من الداخل بحسرة وآلم من الأحداث العربية من فلسطين ولبنان والكويت والعراق لأن الوطن العربي عامر في أعماقه.
إذن لماذا اختار ''الكليجا'' عنواناً لروايته لن أبحث في الرمزية والبعد الذي قصده لكني سأقف مع الكليجا الرواية والوجبة الغذائية طويلاً وكثيراً... لأنها أي الكليجا الوجبة كانت القيمة الغذائية الأساس لعقيلات القصيم التي كانت تعبر مناطق علي القحيص الشمالية على قوافل الجمال باتجاه العراق واتجاه الشام (الأردن، فلسطين، سورية، لبنان)، وأيضاً تعبر غرباً صحراء سيناء للوصول إلى مصر قبل أن تغلق قناة السويس الممر البري الذي يربط شمال إفريقيا بغرب آسيا.
العقيلات كانوا يتزودون بـ ''الكليجا'' الأكلة التي تمتزج بها حبوب البر والقمح ودبس التمر والليمون الأسود والقرفة والهيل والبهارات القصيمية الأخرى لتبقى زاداً يتغذى عليه الرحالة لمدة أشهر حتى عودتهم من بلاد الغربة إلى أرض الوطن فهل كان القحيص عقيلي الهوى والمزاج وهل جذبته رمال القصيم، وأصبح ينتمي للثقافة الرملية، هل شدته مياه وادي الرمة المتعرج وأطفأت عطش صحاريه. هل تذوق حباً وتحننا سكري القصيم ورطب البرحي ونبوت علي والمكتومي والرشودية والحلوة.. هل أحب خبوب بريدة وناس عنيزة وصفاء الرس ودفء البكيرية وعذوبة الخبراء ورياضها والبدائع وهل ساح صفواً وزلالاً مع الأسياح والشماسية الربيعية والمذنب والنبهانية.
يا علي حكاية الكليجا حكاية العقيلات وحكاية مجتمع أنت تنبش داخلها في إرث وتاريخ وناس وذكريات عطرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي