إتقان العمل وإدمانه وجهان لعُملتين
منذ أربعة عشر قرناً من الزمان أرشدنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الجودة والإتقان في العمل في حديثه (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي. ويفهم من ذلك إن الإتقان يجب أن يكون قيمة تربوية أو سمة أساسية في الشخصية المسلمة تنعكس بوضوح في سلوكه ونشاطه؛ فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي. أما الإدارة الحديثة فقد عرفت الجودة والإتقان بأنها فلسفة إدارية تهدف إلى تأسيس ثقافة مميزة في الأداء بحيث يعمل المديرون والموظفون على نحو مستمر لتحقيق الجودة المرجوة من خلال تأدية العمل الصحيح على نحو صحيح من المحاولة الأولى. وسواء كان الإتقان أو الجودة سلوك ممارس على مستوى الحياة أو داخل منظمة العمل فلابد أن له مرتبات إيجابية منها على سبيل المثال لا الحصر : الشعور بالسعادة والرضا عن العمل وتحسن مستوى الإنتاجية، والتقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
أما إدمان العمل فظاهرة سلوكية إدارية workaholics فيقصد بها الارتباط بالعمل ذهنياً وسلوكياً على مدار اليوم، وعلى مدار العام، وعدم القدرة على الانقطاع عن العمل والتمتع بالإجازات السنوية، وهذه الظاهرة خضعت للكثير من البحث والدراسة في أدبيات الإدارة الحديثة, وآمل أن تكون هناك دراسات محلية تلقي الضوء عليها.
ما دفعني للكتابة عن هذه الظاهرة هو أن مجموعة من الزوجات الشابات من المواطنات تحدثت معهن ذات يوم وطلبن مني إلقاء الضوء على معاناتهن من أزواجهن الطموحين العاملين في القطاع الخاص الذين تبدو عليهم أعراض الظاهرة ، فحسب قولهن إن عمل أزواجهن يمتد لساعات طويلة بعد ساعات الدوام الرسمي, ويعودون في أوقات متأخرة من الليل يكون فيها الأطفال قد خلدوا إلى النوم. وفي بعض الأحيان يعودون مبكراً تحت إلحاح الزوجة والأبناء لكنهم يكونون مرهقين نفسياً وذهنياً، أو متعبين جسدياً، أو يكملون إنجاز العمل عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني والاتصال المرئي وغيرها من وسائط الاتصال الحديثة. وهم بهذه السلوكيات عاجزون عن المشاركة في الأعباء الأسرية والاجتماعية، وموافقين على تفويضها للزوجة أو السائق. ومحرومين من إشباع حاجات إنسانية أساسية وهي الحاجة إلى تكوين علاقات اجتماعية.
عزيزي القاري لنفكر سوياً في الإجابة على الأسئلة التالية:
1. هل هناك علاقة بين الخصائص الشخصية للموظف مثل العمر والدافعية ومستوى التعليم أو مستوى الوظيفة أو مجالها بممارسة سلوك إتقان العمل أو إدمان العمل؟
2. هل للعوامل الثقافية والاجتماعية علاقة بمدى انتشار ظاهرة إتقان العمل أو إدمانه في المنظمات؟
3. أي الظاهرتين السلوكيتين أكثر شيوعاً في مؤسسات القطاع العام أو الخاص؟
4. هل هناك علاقة بين نمط القيادة الإدارية وممارسة إتقان العمل أو إدمان العمل؟
خاتمة: عند الإجابة عن الأسئلة ليضع كل منا في اعتباره أن كل من الإتقان والإدمان يشابهان في مساعدة الفرد على الإنجاز العالي وتحقيق الأهداف والمكاسب المادية والمعنوية ..ولكنهما يختلفان في إن الإتقان سمة تلازم الإنسان في حياته دون تمييز بين حياته الشخصية أو المهنية، و يمارسها بتوازن بين متطلبات حياته الشخصية والوظيفية، في حين أن الإدمان على العمل يؤدي إلى تحقيق مكاسب مادية ومعنوية على المستوى المهني أو الوظيفي على حساب الحياة الشخصية والأسرية، وأخيرا بدأت هذه الظاهرة الإدارية تقلق القيادة الإدارية في المنظمات في الدول المتقدمة، ولا نريد أن تنتقل عدواها إلى منظماتنا في القطاعين العام والخاص، فتكفينا عدوى إنفلونزا الخنازير والطيور وجنون البقر، حمانا الله وإياكم من كل مكروه.