لم لا يستسلم البعض سريعا ؟
لماذا يستسلم شخص ما بسهولة أمام تحد ما، بينما يصمد الآخر طويلا؟
لماذا يواجه اثنان المشكلة نفسها فينهار الأول معتقدا أنها ستحطمه للأبد، بينما يقاوم الثاني ويعتبر أن الأمر سيزول سريعا، وما زال هناك كثير من الفرص أمامه في الحياة.
من هم هؤلاء الناس الذين يتغلبون على المواقف الصعبة ولا تقهرهم التحديات؟ وما العامل الذي يساعدهم على ذلك؟
يعزو البعض من خبراء النفس ذلك إلى الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة ونفسر بها المواقف التي تواجهنا، حيث يلعب الأسلوب التفسيري للمواقف الحياتية دورا رئيسيا في شعورنا بالسيطرة الشخصية أو زيادة الشعور بالعجز النفسي، ولهذا فلا تعد طريقة تفكيرنا مجرد ردود أفعال للأحداث بل هي في الواقع تقوم بتغيير ما ينتج عن هذه الأحداث، ولذلك فإذا اعتقدنا أننا عاجزون عن أن نحدث تغييرات جوهرية تجاه أنفسنا وفي محيطنا فسنجد أنفسنا في حالة شلل متزايد عند التعامل مع مواقفنا الحياتية، وستصبغ حياتنا بنظرة تشاؤمية سوداوية.
ويعتبر عالم النفس الشهير الدكتور مارتين سليجمان أن هناك ثلاثة أبعاد تتحكم في الأسلوب التفسيري للمواقف وهي التي تصنع الفرق بين شخصية المتشائم والمتفائل، وأول هذه الأبعاد هو بعد الاستمرارية فالأشخاص الذين يتملكهم اليأس بسرعة يؤمنون بأن السبب وراء حدوث أي مكروه لهم سيكون دائم الحدوث، وسيستمر هذا المكروه لفترة طويلة، كما أنه سيؤثر دائما في حياتهم، أما الأشخاص القادرون على مقاومة اليأس يؤمنون بأن الأحداث العصبية أمر وقتي وزائل، ولهذا فإذا كنت ترى أن الأحداث العصبية ستستمر طويلا وسيكون لها تأثير عميق في مجرى حياتك فإن أسلوبك التفسيري للأحداث سيكون متشائما دائما.
يختلف الأمر بالنسبة للمواقف السارة حيث يعد الأسلوب التفاؤلي في تفسير الأحداث السارة عكس الأسلوب التشاؤمي تماما، فالمتفائلون يرون أن أسباب الأحداث السارة في حياتهم ستكون مستمرة، بينما ينظر المتشائمون إلى تلك الأحداث بنظرة متوجسة لاعتقادهم بأنها قصيرة ومؤقتة.
إن الأشخاص الذين يدركون استمرار الأسباب التي توجد الأحداث السارة، يحاولون أن يعلموا بجد أكثر وأكثر بعدما ينجحون. أما أولئك الذين يرون وقتية الأسباب التي سببت النجاح، ربما يقلعون عن العمل بعد نجاحهم، لاعتقادهم أن هذا النجاح ما هو إلا ضربة الحظ.
بينما يختص بعد الاستمرارية بالوقت، فإن البعد الثاني وهو الانتشارية يتعلق بالمكان، فالأشخاص الذين يرون أن أسباب فشلهم ستنشر عدواها إلى بقية مجالات حياتهم يستسلمون ويقلعون عن كل شيء إذا ما أصاب الفشل أحد أدوارهم الشخصية، بينما يحصرها المتفائل في مجالها المحدد فقط مانعا إياها من التأثير والتشويه على بقية حياته، و ينظر إلى المواقف السارة بشكل معكوس، وبأنها ستعزز وتقوي كل شيء يفعله.
وعندما يقع لأحدنا حدث سيئ تختلف أساليبنا في معالجته، فالبعض يلوم نفسه بعنف ويعتبر أن سبب الفشل داخلي تماما والآخر يشرك الآخرين أو الظروف الخارجية بنسبة ما في المسؤولية، والناس الذين يجلدون أنفسهم دوما عندما يفشلون في فعل شيء ما فهم يقللون من شأن أنفسهم ويمنعونها من الشعور بالقدرة على الإنجاز، بينما يتميز أولئك الذين الذين يضعون دورا ما للظروف الخارجية بأنهم أفضل في مخاطبة ذواتهم ولا يفقدون ثقتهم بأنفسهم إذا ما حدث لهم مكروه، وهنا يتضح البعد الثالث في تفسير المواقف وهو بعد السببية، هل تعتقد أن سبب الفشل داخلي تماما أو تترك نسبة ما للخارج، وماذا عن النجاحات هل هي ضربة حظ خارجية الأسباب كما يدركها معظم المتشائمين أم أن لك دورا كبيرا فيه كما يؤمن بذلك كثير من المتفائلين.