ما الذي أخرج الأمير تركي الفيصل عن طوره؟
كلما أمعنت البصيرة والبصر في مقالة الأمير تركي الفيصل التي نشرها في مجلة السياسة الخارجية Foreign Policyالصادرة في واشنطن أيلول (سبتمبر) 2009 تداعى إلى ذهني بيت قاله الشيخ راكان بن حثلين في مناسبة عفى عليها الزمن:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفى صاملة عن كثيرة
عفا الله عما سلف والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون.
المقال بعنوان Don’t be Crude ويقابله باللغة العربية ''لا تكن فظا أو لا تكن فجا'' وإن كنت أميل إلى الترجمة الأخيرة, فالفجاجة هي عدم النضج كما هو معروف ومنها ركبت كلمة Crude Oil أو الزيت الخام، والفجاجة في الحديث أن تقول كلاما لا زبدة فيه، وقد استعملها الأمير للدلالة على العلاقة الواضحة بين عنوان المقال ومضمونه وهو استعمال موفق.
المقالة تنتقد بشكل عام الخطاب الأمريكي الرسمي عن موضوع الطاقة واعتماد أمريكا المتزايد على الزيت المستورد من ''أوبك'' والمملكة بالذات، وما يكتنف ذلك ـ في رأيهم ـ
من مخاطر سياسية، وهو موضوع يطفو على السطح في موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية والأمر ليس جديدا، لكن الطريف فيه هو أن ينبري له رجل بمكانة وتاريخ الأمير تركي الفيصل.
#2#
التقيت الأمير في مناسبتين رسميتين إحداهما في مونت كارلو في ملتقى كران مونتانا وهو صورة مصغرة لمنتدى دافوس، وقد ألقى كلمته باللغة الإنجليزية من نص معد عن القضية الفلسطينية والمبادرة العربية لحله، ثم شارك في مداخلة عن الموضوع نفسه تقريبا في إحدى جلسات الندوة.
أما المناسبة الثانية فهي مشاركته في الحوار العربي الأوروبي في فيينا وكان أحد المتحدثين الرئيسيين، وما يشد السامع في أسلوب الأمير هو الرصانة والهدوء وضبط النفس، فما الذي أخرجه عن طوره في هذه المقالة على النحو الذي جعله يستخدم ـ وهو على حق - عبارات مثل وصفه حديث الرئيس أوباما عن استقلال الطاقة الأمريكية بأنه حديث تحريضي تنقصه الحكمة أو Demagoguery، وإن كان البعض يرى أن المرادف العربي لهذه الكلمة هو دون مواربة ''الغوغائيه'' إلى أن يصف الأمير شعار استقلال الطاقة الأمريكية أنه استعراض سياسي ينطوي على فكرة مجردة تنقصها الواقعية والرشد وهو في نهاية المطاف مضر للمنتجين والمستهلكين على حد سواء, بل إنه وسيلة للادعاء بأن الولايات المتحدة تتجشم المخاطر في علاقتها بالمملكة، وهو كلام أو هرج لا زبدة فيه إذا اقتبسنا المضمون العام لما قاله الشيخ راكان والوصف يصدق على كل خطاب لا يصمد أمام البحث والتمحيص.
الحقيقة أن كل من يتابع سياسات الطاقة في الدول الصناعية، خصوصا الولايات المتحدة يشعر بالامتعاض نفسه الذي يطغى على مقالة الأمير لأكثر من سبب.
يحتدم الصراع بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة كل أربع سنوات للوصول إلى سدة الحكم، وموضوع الطاقة وأمنها هو أحد الأوتار التي يعزفون عليها، ويلاحظ اختلاف في النهج، فالجمهوريون يركزون على جانب العرض، أي زيادة جهود الاستكشاف والإنتاج عن النفط الخام داخل إقليم الولايات المتحدة مع البحث عن مصادر بديلة، أما الديمقراطيون، فإنهم يركزون على جانب الطلب عن طريق الكفاءة في استعمال الطاقة والمحافظة على البيئة والبحث عن مصادر طاقة نظيفة ..إلخ هذه الأفكار، وفي الحالتين فإن القاسم المشترك بينهما هو أمن الإمدادات والهجوم تلميحا وتصريحا على ''أوبك'' والدول المنضوية تحت لوائها والتركيز على أن منطقة الخليج العربي منطقة غير آمنة، رغم أن المملكة، باعتراف الإدارة الأمريكية في كل المناسبات، تستثمر في تأمين الإمدادات للمستهلكين أكثر من المستهلكين أنفسهم، لكن الجمهوريين أقل حماسة للهجوم على ''أوبك'' والمملكة بالذات لسبب يكمن في تعاطفهم مع صناعة البترول والشركات الكبرى باعتبار أن تلك الشركات هي القادرة على تحقيق أمن الإمدادات بسبب ما لديها من تقنية وأموال، بل إنها في إحدى القضايا التي رفعت ضد ''أوبك'' عام 1979 وقفت الإدارة الأمريكية مع ''أوبك'' موقفا متعاطفا في الهدف، إذ أدلت بشهادة تعرف في القضاء الأمريكي بشهادة صديق المحكمة Amicus Curiae وهي شهادة يدلي بها من له مصلحة في القضية مع أنه ليس طرفا فيها، أكثر من ذلك فقد اقترح أحد مستشاري الرئيس كارتر إبان أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران 1979 أن يختلق البيت الأبيض موقفا خارجيا يلهي به الشعب الأمريكي ولم يجد ذلك المستشار سوى ''أوبك'' وخطرها على أمريكا، لكن الرئيس كارتر ـ وهو استثناء من النمط العام لحزبه ـ رفض هذا الاقتراح لأسباب أخلاقية، بل إن الرئيس ريجان فيما بعد رفض أثناء حملته الانتخابية الأولى النص في برنامجه الانتخابي أن ''أوبك'' هي التي تقبع وراء أزمة الطاقة الأمريكية، لأن سبب الأزمة ـ في رأيه ـ هو التقاعس في اتخاذ قرارات تزيد من برامج الاستكشاف والإنتاج داخل الولايات المتحدة.
#3#
إن هذا التفاوت في المواقف والآراء يوحي بأن مبدأ استقلال الطاقة في الولايات المتحدة أقرب إلى الشعار السياسي منه إلى برنامج عمل قابل للتطبيق.
وللمزيد من التوضيح فإن هذه الدولة العظمى لم يكن لديها ما يسمى سياسة طاقة وطنية قبل 1973، بل إن مجرد التفكير في رسم سياسة محلية لم يبدأ إلا عام 1973 بعد حرب أكتوبر، الذي واكب المفاوضات مع شركات البترول، بحيث زادت الأسعار خلال أشهر قليلة من ثلاثة دولارات إلى خمسة ثم إلى 11 دولارا للبرميل، ووجد الرئيس نيكسون أن موضوع الطاقة وحشد الأمريكيين حول هذا المطلب الوطني خير منقذ له ولو بشكل مؤقت من لهيب ما عرف في ذلك الوقت بفضيحة ووترجيت. ثم جاء كارتر وأسس لأول مرة وزارة للطاقة ومازال الساسة الأمريكان حتى هذه اللحظة يتحدثون عن أزمة الطاقة ويحرضون شعبهم من مغبة الوقوع تحت رحمة الدول المصدرة للبترول التي تمثل ثغرة في تأمين الإمدادات.
بقيت مسألة أخرى غاية في الأهمية توضح تهافت الخطاب الأمريكي وهي أن الساسة الأمريكان لا يريدون سعرا منخفضا للبترول وما يقولونه لوسائل الإعلام هو في معظمه لغو لا طائل تحته، وأصدق دليل على ذلك هو أنه عندما انخفضت الأسعار في عامي 1997 و1998 إلى تسعة دولارات للبرميل أتوا مهرولين للدول المصدرة للبترول مطالبين باتخاذ أي إجراء للحد من تدهور الأسعار، بل وزيادتها زيادات معقولة كما يقولون. والعهدة على من تابعوا تلك المفاوضات عن كثب، ويكفي أن نتذكر أنه لولا الأسعار المعقولة التي سادت منتصف السبعينيات لما تمكنوا من استغلال احتياطي البترول في بحر الشمال وألاسكا.
إذن أين زبدة الهرج التي ينشدها الشيخ راكان؟ هل استعمال أزمة الطاقة يخفى وراءه أمورا تستحق النظر أم أنها أحد بنود التحريض وكسب الأصوات، خاصة أن موضوع الطاقة موضوع محلي تتحكم فيه إلى حد كبير عوامل دولية خارج دائرة التأثير المباشر لواشنطن، إذ من الواضح ألا أحد يستطيع إقناع 70 مليونا من الشعب الأمريكي يقفون خارج نظام التأمين الطبي أن مشكلتهم سببها عوامل خارجية، أما عندما يتعلق الأمر بأمور الطاقة فإن شماعة ''أوبك'' جاهزة دائما.
أظن هذا كافيا لتحضير القارئ لبعض النقاط التي تساعد على البحث عن الزبدة التائهة.
لا أحد يشك أن موضوع الطاقة جزء أساسي من السياسة الخارجية للدول العظمى، وغيرها، لكن الموضوع لم يأخذ الطابع الإعلامي بكل ما في الخطاب السياسي من تجريح وحدة إلا بعد ظهور ''أوبك'' ودعونا نلاحظ ما يلي:
أولا: قبل تأسيس ''أوبك'' كانت قرارات الإنتاج والأسعار بيد الشركات البترولية المعروفة، وقد قامت ''أوبك'' بجهد معروف من فنزويلا والمملكة لحماية مصالح الدول المصدرة للبترول (وللمزيد انظر مقال الكاتب في ''الاقتصادية'' عدد 29/3/2009 عن ندوة ''أوبك'') وخلال الأسبوع الأول من قيامها 1960 كتبت جريدة ''نيويورك تايمز'' المعروفة خبرا مقتضبا يقول ''تم تأسيس تنظيم احتكاري (كارتل) حتى لو انضم إليه الاتحاد السوفياتي فإنه سيبقى لمدة سنة أو سنتين في الغالب ثم يعود كل شيء إلى طبيعته''، وقد ظهر هذا التعليق في الجريدة قبل أن يتم نشر دستور ''أوبك'' (انظر مقدمة كتاب بيير ترزيان: أوبك: القصة من الداخل الطبعة الإنجليزية).
ثانيا: ستحتفل ''أوبك'' العام المقبل بميلادها الخمسين ومعروف أن المنظمة ظلت حتى 1975 في مركز الترقب والدفاع ثم أصبحت بعد عناء المفاوضات وتصحيح الأسعار القوة التي تسيطر على قرارات الإنتاج والأسعار بدلا من الشركات وأحدث ذلك انفصاما بين مراحل إنتاج البترول والتكرير وفقدت الشركات البترولية والحكومات مزية الشفافية وبدأوا يتحدثون في كل مناسبة عن أمن الإمدادات منذ ذلك الوقت.
ثالثا: استغل الدكتور هنري كيسنجر هذه الظروف فأنشأ وكالة الطاقة الدولية كجبهة للمستهلكين في وجه المنتجين وما قد يصدر عنهم من قرارات وعاش العالم حالة صدام بين هذه الوكالة و''أوبك'' حتى بداية التسعينيات، إذ أثمرت جهود المملكة وفرنسا لعودة الحوار بين المنتجين والمستهلكين، الأمر الذي انتهى بإنشاء سكرتارية دائمة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض وعلى نفقة المملكة وحضر وزراء الطاقة الأمريكان حفل الافتتاح، كما حضروا قبلها الدورة الوزارية التي عقدت في المملكة وأصبح الحوار بين ''أوبك'' والأوروبيين أمرا عاديا تم الاعتراف فيه بأهمية أمن الطلب على الطاقة بالوتيرة نفسها مع أمن الإمدادات.
#4#
إذن ما الذي حدث لكي تعود مشكلة الطاقة زادا يقتاته من يريد أن يثبت أقدامه في البيت الأبيض؟ أين زبدة الهرج التي يبحث عنها الشيخ راكان؟ هناك حقائق يعرفها من هم في مركز المسؤولية في الولايات المتحدة، لكن السواد الأعظم من الشعب الأمريكي لا يعرفها ومن ذلك:
1 ـ تعرف الإدارة الأمريكية أن ما يقرر مصير السوق البترولية ليس فقط حجم الاحتياطي الثابت وجوده، إنما وجود الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تستخدم عند اللزوم، ويعرفون أن النسبة العظمى من هذه الطاقة هي عند السعودية.
2 ـ يعرفون أن الدور الإيجابي للمملكة ومن ورائها ''أوبك'' هو دورها في إدارة الأزمات التي تنتاب السوق من حين إلى آخر. هذه الأزمات سببها حجب كميات معينة من البترول، آخرها، كما قال الأمير، انحسار الإنتاج العراقي بسبب الغزو الأمريكي والهدف هو كبح جماح السعر لكي لا يخرج عن نطاق معين، لكن خلال بعض الأزمات (97 - 98) كانت الجهود تهدف إلى ترشيد السعر وانتشاله من مأزق الخانة الواحدة.
3 ـ تعرف الإدارة الأمريكية الدور الذي تؤديه ''أوبك'' في تزويد السوق البترولية بحاجتها دون انقطاع، لكن السواد الأعظم من الشعب الأمريكي لا يعرف أن ''أوبك'' أنتجت خلال عام 2008، أي في سنة واحدة 13.4 مليار برميل طبقا لأرقام شركة البترول البريطانية في نشرتها الإحصائية السنوية المعتمدة 2009، وهو يزيد بنسبة 23 في المائة عن مجموع الاحتياطي الثابت وجوده في بحر الشمال (النرويج وبريطانيا) البالغ 10.9 مليار برميل، كما يعادل 44 في المائة من كل الاحتياطي الثابت وجوده في الولايات المتحدة البالغ 30.5 مليار برميل, هذه الأرقام توضح الأهمية النسبية لـ ''أوبك'' والمملكة على وجه الخصوص، ويستطيع المراقب العادي أن يستنتج عديدا من الدروس من هذه الأرقام. فإذا كانت ''أوبك'' تنتج هذه الكمية التي تعادل كل احتياطي بحر الشمال خلال عام واحد، ومع ذلك تحتفظ بحصتها الكمية والنسبية في الاحتياطي العالمي (نحو 76 في المائة) فإن هذا يعني ببساطة أن ''أوبك'' استطاعت دائما أن تكتشف، بل تطور عديدا من الاحتياطيات لكي تحافظ على هذا المركز.
4 ـ إذا كانت وكالة الطاقة الأمريكية التي أنشأتها الولايات المتحدة تقول في إحدى مطبوعاتها إن الطلب العالمي على البترول سينمو بنسبة 1 في المائة من الآن حتى عام 2030، أي من 86 مليون برميل في اليوم إلى 106 ملايين برميل في اليوم فإن ''أوبك'' ستسهم بنسبة 85 في المائة من مواجهة الطلب الإضافي، أي 20 مليون برميل يوميا.
إذا كان الأمر كذلك ـ وأحسبه بإذن الله كذلك ـ فإن المرء يتساءل كيف تستطيع ''أوبك'' توفير أو تدبير هذه الإمدادات؟
5 ـ الجواب عن السؤال السابق تعرفه الإدارة الأمريكية، لكن السواد الأعظم من الشعب الأمريكي يجهله وهو عن حجم الاستثمار اللازم لبناء الطاقات الإنتاجية، وأهمها الطاقة الإنتاجية في المملكة التي أشار إليها الأمير (12.5 مليون برميل في اليوم) بنهاية هذا العام، وهي سياسة معلنة كررها وزير البترول السعودي أكثر من مرة، والمعلوم أن الطاقة الإنتاجية (وهي قد تختلف عن مستوى الإنتاج) تبنى لغرضين، إما لسد حاجة السوق الآنية وإما لامتصاص الأزمات الطارئة، لكن المهم هنا هو تكلفة هذه الطاقة الإنتاجية، والسائد في الصناعة البترولية أن تكلفة اكتشاف وتطوير برميل واحد من الاحتياطي في الشرق الأوسط يعادل 12 ألف دولار، وهذا يعني أن تطوير حقل بترولي بطاقة 500 ألف برميل يوميا يكلف على هذا الأساس ستة مليارات دولار، وإذا كانت هذه الاستثمارات بغرض بناء طاقة احترازية لمواجهة تقلبات السوق، فإن أهل العلم في الإدارة الأمريكية يعلمون تمام العلم تكلفة الفرصة البديلة لهذه الاستثمارات، أي الخسارة الناجمة عن التضحية بفرصة استثمارية أكثر جاذبية.
6 ـ كل هذه الحقائق وما زلنا نتحدث عن أمن الإمدادات، وماذا عن أمن الطلب وقد بدأ يدخل ضمن الموضوعات التي يناقشها المنتجون والمستهلكون في منتدى الطاقة العالمي؟ الجديد هو ما يقال عن الطاقة المتجددة وعلاقتها بهذا الموضوع، فالمستهلكون، وعلى الأخص الأوروبيون، يسعون نحو تحقيق هدف مساهمة الطاقات المتجددة، منها الوقود الحيوي عام 2020 بنسبة 20 في المائة في ميزان الطاقة لديهم، والخطر الداهم ليس تزايد الاعتماد على زيت ''أوبك''، لكنه في حالة إخفاق هذه الخطط عن الوصول إلى أهدافها، فإذا بنت ''أوبك'' والمملكة بالذات خططها على أساس أن الطلب العالمي ستسهم فيه مصادر جديدة ثم أخفقت هذه التطلعات، فمن يلوم المملكة و''أوبك'' على حدوث أزمة إمدادات، وهذا التحليل مبني على خطاب ألقاه وزير البترول السعودي أخيرا.
بعد كل ما تقدم على القارئ أن يحدد ما الذي يهدد أمن الطاقة؟
7 ـ أخيرا وليس آخرا يصفوننا بالجشع وهم يعلمون أنه خلال الفترة 2004 - 2008 تسلمت مجموعة الدول السبع الكبرى 3418 مليار دولار ضرائب على استهلاك المنتجات البترولية التي أساسها أو معظمها من الزيت المستورد من ''أوبك''، بينما تسلمت ''أوبك'' 3346 مليار دولار، أي أن ما جنوه من ضرائب على استهلاك هذه المادة أكثر مما دخل في حوزة ''أوبك'' بنسبة 2.2 في المائة.
الحديث ذو شجون، لكن دعونا نتساءل مَن الملوم في حجب هذه المعلومات عن الشعوب التي نحاول أن تتعايش معها والتي تبين بشكل واضح شعورنا بالمسؤولية الدولية؟ نحن الملومون بلا شك، ''أوبك'' تقترب من عامها الخمسين وهي أنجح منظمة أنشأتها الدول النامية، وإذا كانت المملكة أسهمت بدور كبير في إنشائها فإن بقاؤها منذ أوائل السبعينيات سببه الدور الذي تؤديه المملكة في السوق البترولية.
نحن أنشأنا ''أوبك'' واستخدمناها إطارا للتفاوض مع الشركات ومع الدول وأسهمنا في إبراز دورها الإيجابي للعالم، فلماذا لا يصاحب هذا استراتيجية إعلامية لكي يتبين العالم كله ما يأتيه من أنباء ولكيلا نصاب بمزيد من الجهالات؟ من يقوم بالحملة الإعلامية؟ الجواب المنطقي ''أوبك''، لكن ميزانية المنظمة لا تواكب هذه المهمات ولم أسمع منذ قيام المنظمة أن وزراء الإعلام في دولها اجتمعوا لوضع استراتيجية إعلامية بترولية، ومن يعلم ربما لو اجتمعوا لما اتفقوا ويبقى أن تتولى الدول التي يهمها الأمر هذا الأمر وعلى رأسها المملكة، ولا أدري إن كان لدينا قسم للإعلام البترولي ضمن الإعلام الخارجي في وزارة الثقافة والأعلام، وإلى أن نتصدى للمشكلة وهي تحتاج إلى تضافر الجهود من أكثر من جهة، فإنني أشكر الأمير الذي فتح الباب بمقالته القيمة للتداول وصح لسانك يا شيخ:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان، فهذا ما تحتاج إليه العلاقة المصيرية بين الولايات المتحدة والمملكة التي تحدث عنها الأمير، وهي علاقة تحتاج إلى خطاب فصيح صامد لا تعبث فيه العواطف والأهواء.