حينما ينحصر الطموح في وظيفة حكومية!
يقوم الاقتصاد الوطني لأي دولة على دعامتين رئيستين مكملتين لبعضهما بعضا هما القطاع العام والقطاع الخاص. وقد قدم الدكتور عبد الرحمن الشقاوي مدير عام معهد الإدارة العامة توضيحاً شاملاً لهذين المصطلحين ضمن ورقة العمل التي قدمها لندوة "الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440هـ"، ونُشر ملخصها في رسالة معهد الإدارة رقم (50)، فمصطلح القطاع الحكومي يستخدم للتعبير عن النشاطات الاقتصادية القائمة على أساس ملكية الدولة لرأس المال والمنتجات، بينما يعبر مصطلح القطاع الخاص عن النشاطات الاقتصادية القائمة على الملكية الخاصة الفردية أو الجماعية، وتختلف نسبة مشاركة كل منهما في خدمة الاقتصاد الوطني بحسب مستوى التقدم في الدولة. ففي الدول النامية، بوجه عام، يتحمل القطاع الحكومي مسؤولية معظم النشاطات الاقتصادية وتقديم الخدمات الاجتماعية وتنظيم حركة التجارة وإنتاج السلع، مما جعله المحدد الأكبر للنشاط الاقتصادي والقابض على أكثر مقدار من الدخل القومي، والمنفق الأكبر من الموارد المالية. هذه السمات التي يتصف بها اقتصاد الدول النامية تنطبق أيضاً على سمات الاقتصاد الوطني في السعودية منذ ما يقارب ثلاثة عقود، حيث تحمل القطاع الحكومي عبء إقامة المشاريع الكبرى في جميع المجالات، وإقامة المؤسسات والهيئات بغرض تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولقد أدى هذا الوضع الاقتصادي إلى توسع القطاع الحكومي في الطلب على القوى العاملة الوطنية والوافدة لسد الاحتياج من الوظائف في جميع التخصصات. وأصبحت الوظيفة الحكومية هي الخيار الأول لمن هم في سن العمل والراغبين فيه، حتى ترسخ في أذهاننا نساءً ورجالاً متعلمين وغير متعلمين بأن كلمة عمل تعني العمل في وظيفة حكومية، وما عداها عمل بدرجة أقل. وليس أدل على هذه القناعات واحترام الوظيفة الحكومية وشاغليها ما سمعته عن رفض بعض أولياء الأمور تزويج بناتهن ورفض البنوك إقراض الأفراد من غير موظفي القطاع الحكومي بحجة توافر الدخل الثابت.
ولأن البقاء على حال من المحال، فاليوم تغير هيكل اقتصادنا الوطني، وتسلم القطاع الخاص مقود عجلة التنمية الاقتصادية، وازداد الطلب على القوى العاملة الوطنية والوافدة من الجنسين في جميع التخصصات بعكس القطاع الحكومي الذي شهد محدودية في الفرص الوظيفية. هذا التغير في هيكل الاقتصاد الوطني واحتياجات سوق العمل، لم يصاحبه تغيير في قناعات أفراد المجتمع نحو القطاع الخاص. فمهما طالت سنوات الانتظار، لا يزال الفوز بوظيفة حكومية هو الطموح الذي ينتظره شبابنا من الجنسين، ولهم في ذلك عدة مبررات هي:
- الأمن الوظيفي.
- الإجازات الطويلة في الأعياد.
- الدوام الصباحي المحدد بساعات معينة، وإذا كان هناك عمل إضافي فيكون بمقابل مادي.
- الدخل الثابت والراتب التقاعدي والعلاوات السنوية.
- قياس الكفاءة والإنتاجية مرهون بالتوقيع على دفتر الحضور والانصراف، أما المحاسبة والمساءلة فتطبقان في أضيق الحدود.
إن موافقتي على هذه المبررات، لا تمنعني أن أطرح على هؤلاء المنتظرين سؤالاً وهو: ماذا لو لم تحصلوا على الوظيفة الحكومية بعد طول انتظار؟ هل ستضمنون لنا أنكم خلال فترة الانتظار ستحافظون على معلوماتكم من التقادم، ومهاراتكم من الاضمحلال، وعلى وقتكم من الفراغ والملل وعلى مشاعركم من الإحباط والشعور بعدم الفاعلية؟ ولماذا لا تتخطون الحواجز النفسية، وتستكشفون ماذا يريد القطاع الخاص من طالبي العمل من صفات شخصية ومهنية؟ فما يطلبه القطاع الخاص هو:
- تحمل المسؤولية بالالتحاق ببرامج التأهيل والتدريب التي يحتاج إليها سوق العمل، لاكتساب المعلومات والمهارات.
- الشعور بالمسؤولية والولاء الوظيفي بالاستمرار في العمل، وعدم ترك الوظيفة لأسباب غير موضوعية.
- إجادة اللغة الإنجليزية ومهارات الحاسب الآلي.
- قبول الوظائف التي تناسب التخصص والقدرات، وعدم التركيز على الوظائف المكتبية.
- الالتزام بأخلاقيات العمل وسلوكياته، مثل الجدية والإنتاجية العالية واستثمار وقت الدوام لمصلحة صاحب العمل.
- الصبر على مشقة العمل لفترات صباحية ومسائية، أسوة بالعمالة الوافدة.
خاتمة: إن توفير فرص العمل لأبناء الوطن مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، ولكن الباحث عن العمل في قطاع يشهد محدودية الفرص يتحمل المسؤولية الأكبر لما قد يحصل له خلال سنوات الانتظار.