التكلفة الاقتصادية لضعف مهارات الإنصات
استخدمت كلمة اتصال في مضامين مختلفة وتعدّدت مدلولاتها، فكلمة اتصال في أقدم معانيها، تعني نقل الأفكار والمعلومات والاتجاهات من فرد إلى آخر. وفي حياتنا اليومية يكتسب الاتصال مكانة مهمة لكونه وسيلة للتعبير عن الأفكار والمفاهيم، والتقارب والتفاهم. وتتكون عملية الاتصال من العناصر الأربعة التالية: المرسل، والمستقبل، الرسالة، ووسيلة أو قناة الاتصال، وهناك مشكلات تعوق نجاح عملية الاتصال منها: التشويش والشرود الذهني وعدم الانتباه والنزعة الانتقائية، وإغلاق قنوات الاتصال، مما يعنى أنه لكي ينجح الاتصال لا بد من توافر عدد من المقومات في كل من المرسل والمستقبل، والرسالة، ووسيلة الاتصال.
والمستقبل باعتباره عنصراً أساسياً في نجاح عملية الاتصال فإن أهم ما يجب أن يتوافر لديه عدد من المهارات، أبرزها مهارات الإنصات الفعال: ذلك أن فن الإنصات والإصغاء الفعال من مستلزمات القيادة الناجحة لكل عمل ومما يجب القيام به هو:
- تشجيع المرسل على التعبير بآرائه بحرية دون مقاطعة.
- إعطائه الفرصة لإنهاء حديثه ومن ثم طرح الأسئلة عليه.
- عدم توجيه الانتقادات للمرسل مثل أنت مخطئ أو رأيك غير صائب.
- الحفاظ على التواصل البصري مع المرسل و عدم الانشغال بأمور أخرى مثل الكتابة أو النظر إلى الأشخاص أو الأشياء.
- إعادة تلخيص حديث المرسل خاصة عندما لا يجيد التعبير عن رأيه بطلاقة، بطرح الأسئلة عليه مثل: ماذا تقصد، أو أعط مثالاً على ما تقول، أو افهم من كلامك، أو هل هذا ما تقصده؟
ما حفزني للكتابة عن مهارات الإنصات هو ما لمسته من ضعف في مستوى هذه المهارة لدى بعض مقدمي الخدمة في مجتمعنا، فعلى سبيل المثال عندما تتصل بموظفي استعلامات الهاتف وتطلب الحصول على رقم شخص أو مؤسسة فإنهم يزودونك برقم مشابه لاسم الشخص أو المؤسسة التي ترغب الحصول عليه. وعندما تطلب عددا من الوجبات السريعة عبر الهاتف أو في المطعم تأتيك الطلبات ناقصة أو غير مطابقة لما ترغب، وفيما لو سألت أحدهم عن سبب الخطأ في الخدمة فقد يبررها إخواننا الباعة من الدول العربية بعبارة مألوفة هي: "العتب على السمع"، وعندما تطلب من الباعة في المحال التجارية مقاسا ولونا معينا يأتيك بلون ومقاس مختلف, ثم تفاجأ عند وصولك المنزل بأن ما حصلت عليه ليس هو المطلوب، وأنا على يقين بأن القراء الأعزاء قد مروا أيضاً بهذه التجارب (المواقف) وغيرها.
إن عصرنا الحالي هو "عصر اقتصاد العملاء " و"عصر الجودة الشاملة " وتوافر مهارات الإنصات له أهميته في اقتصاد الجودة ، ويعنى ذلك أن المؤسسة الناجحة والموظف الناجح هو من يضع العميل على قائمة أولوياته واهتماماته، وينصت للعميل، ويعطيه ما يريد، وأبسط ما يريده العميل هو تلبية حاجاته ورغباته على نحو صحيح من المحاولة الأولى.
إن لضعف مهارات الإنصات لدى مقدمي الخدمة آثار سلبية في مشاعر العميل، فهو سيشعر بالاستياء والغضب لنتيجة عدم تحقيق رغباته، إضافة إلى شعوره بالضجر من ضياع الوقت والجهد فيما لو قرر العودة مرة أخرى إلى مقدمي الخدمة للحصول على الاحتياجات التي لم تلب. وقد تؤثر هذه التجارب والمواقف سلباً في درجة انتمائه وولائه للمؤسسة وفي قراره في الاستفادة من خدماتها ومنتجاتها مستقبلاً.
كلمة أخيرة يقول الحق تبارك وتعالى في (سورة الأعراف: 204) (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فمتى تكون مهارات الإنصات الفعال مهارة حياتية تتضح في كل تعاملاتنا مثلما هي عند سماع الآيات القرآنية؟