ماذا سأخسر لو لم أشتره؟
لا يمكن لمفاهيم جديدة أن تحتل مكانها في أذهاننا إلا بعد أن نلغي القديمة، ولذا فقد يفيدنا كثيرا في تحسين جودة حياتنا أن نتساءل من حين إلى آخر عن جدوى بعض ممارساتنا السلوكية، و أن نقوم دوما بمراجعة متأنية لمفاهيمنا وعاداتنا لاستكشاف مدى جدواها وفعاليتها، ولهذا فنحن نطرح تساؤلا مهما يلامس بعمق حياة كل واحد منا وهو:
لماذا نحن شديدو الرغبة في اقتناء الأشياء؟ وهل يجلب لنا التكديس المزيد من الرضى أم يفسد الروح ويسممها؟
إن في البساطة حلا لكثير من الصعوبات، لكننا لم نعد نعرف ذلك في مجتمعاتنا العصرية، فقد أصبحنا نملك الكثير من المقتنيات المادية و الإغراءات والرغبات والمنتجات، فنحن نقتني أكواما من الأشياء التي تزيد عن حاجتنا، ولكننا لا ندرك ذلك إلا عندما نحرم منها، فنحن نستخدمها لأننا نمتلكها وليس لأنها ضرورية لنا، وكم من الأشياء نشتريها لا لضرورتها في تسيير أهدافنا بل لأننا رأيناها معروضة بإغراء في المحال أو أعجبنا بها لدى الآخرين من حولنا.
يعكس التكديس لدى كثير من الناس دليلا على قوة وجودهم، فهم يربطون بوعي منهم أو بلا وعي بين هويتهم و نظرتهم إلى أنفسهم التي يقيمها حجم ما يمتلكون، فكلما زادت مقتنياتهم زاد اطمئنانهم ونعموا بالراحة، ولذلك تجدهم يطمعون في كل شيء: المقتنيات المادية والرحلات السياحية والتحف الفنية والملابس الفخمة والأثاث الفاخر، ويجرون خلفهم عبء مقتنياتهم وينسون أو قد لا يدركون أن طمعهم وشهواتهم قد حولتهم إلى كائنات بلا روح، لأنهم أصبحوا عبيدا لرغباتهم التي لا تنتهي أبدا.
تعني البساطة اقتناء القليل لترك المجال فسيحا لما هو أساسي وجوهري، فكيف يمكننا أن نحصل على ما لم نترك له مكانا في حياتنا، تلك التي تغزوها المئات من الخيارات والشهوات وتسيطر علينا وتجعلنا نعرض عما هو أساسي، فيصبح ذهننا بدوره مزدحما مثل سقيفة البيت الممتلئة بالأشياء القديمة، ومع الوقت وتراكم الأغراض لا نستطيع التحرك فيها والمضي إلى الأمام، لأن قبول الكثرة و تراكم الأشياء يؤدي بنا إلى القلق والملل وفوضى الروح الداخلية.
إن تبسيط العيش هو اختيار مؤلم، حيث تتردد ثقافتنا المعاصرة في تقبل أولئك الذين اختاروا حياة الزهد والاكتفاء بالقليل لأنهم يمثلون تهديدا لمصالحهم التجارية ومخططاتهم الاستهلاكية، لكننا نتألق إنسانيا عندما نتوقف عن الانشغال باعتبارات مادية، ورفضنا لاقتناء الكثير يجعلنا أقدر على تقدير ما يجلب السعادة الروحية لأعماقنا.
ولهذا ففي المرة القادمة عندما يستوقفني شيء ما في إحدى الواجهات سأتساءل مع نفسي:
- ما الفائدة منه بالتحديد؟
- أي قيمة سيضيفها إلى حياتي؟
- هل يدعم هدفا من أهدافي الشخصية؟
- ماذا سأخسر لو لم أشتره؟
فما من أمر يستحق المكافأة أكثر من قدرتنا على تقدير نوعية الأشياء في حياتنا بمنهجية وصدق، وكم سنسترد من طاقاتنا المهدورة ومساحات كبيرة من أوقاتنا حين نتعلم فن البساطة في العيش، لأننا نعلم جميعنا أنه لا ينجو من الغرق من هو مكبل بكثرة الحقائب.