ما أعظم الحب!

لعل أجمل ما في الحب أنه يمثل امتدادا للإنسان خارج حدود جسده ليصل إلى إنسان آخر، حيث يتدخل القلب ويسيطر على العقل ويصدر قرارات يمنح بموجبها للإنسان الآخر الكثير، ربما أكثر, مما قد يضحي الإنسان به من أجل نفسه، يمنحه أحيانا كل ما يملك، ويبقى مع ذلك متمنيا أن يمنح أكثر.
الحب عظيم لأنه يزلزل خلايا الإنسان، ويصنع نورا يمتد من حوله على مدى الأفق، ويتحول إلى طيف يصنع المعجزات، والحب قادر على أن يجعل الكون من أمامنا مختصرا في ابتسامة الحبيب ونظرته الساحرة وعطفه الجميل، والحب الصادق المخلص هو الوحيد الذي يستطيع أن يغير كل القوانين، بينما يبقى هو بعيدا عن أي قواعد أو أنظمة. لكن الحب ليس مجرد كلمات إنشائية، بل هو القاعدة التي يمكن منها صناعة مجتمع عفيف تسيطر عليه الأخلاق وتقدير الجنس الآخر بعكس ما يظن البعض. من دون الحب تصبح العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مبنية على البعد الجسدي أو على المصلحة، بما في ذلك أولئك الفضلاء الذين يتزوجون رغبة منهم في بناء الأسرة ذات القيم وفي أن يمنعوا شهواتهم من أن تقودهم إلى الطريق الخطأ.
لكن لو تأملت التراث الإسلامي والعربي لوجدت أمرا مختلفا عن كثير مما تفعله الأسر المحافظة في عقودنا الأخيرة، فأساس كل قصص الخطبة والزواج في تراثنا هو ميل وانجذاب بين الرجل والمرأة، على أساسه انطلق الرجل ليخطب المرأة ويطلب ودها وود أسرتها، ولم يكن هناك أمر شائع يشبه ما يحصل في أيامنا حين تبحث النساء في الأسرة عن المرأة المناسبة للرجل ثم يسألون عنها ثم يختارونها لابنهم العازب على أساس المعايير التي حددتها الأسرة ثم يتم الزواج.
عندما يكون الحب أساس العلاقات العاطفية والزوجية, فهذا يعني أن الرجل لا ينظر إلى المرأة على أنها مجرد جسد أو مجرد عضو فاعل في أسرة تريد تحقيق أهداف معينة لخدمة ذلك الرجل، بل هي ذلك الإنسان الذي تمددت روحه خارج جسده نحوها، والإيمان بالحب كقيمة إيجابية، يجعل الإنسان يبحث عن تلك العاطفة قبل أن يطلب يد المرأة، ويزيد من إيمانه بقيمتها في حياته معها، ويقلل كثيرا من المشكلات الاجتماعية التي تحصل اليوم.
الحب يخلق المجتمع العفيف، لأن طبيعة الحياة قديما وحديثا تتطلب تماسا بين المرأة والرجل في مختلف مناحي الحياة (أو ما يسمى الاختلاط)، وعندما يشعر الرجل أن المرأة غرض جسدي أو غرض للمصلحة، أو حتى عندما تشعر المرأة بذلك، تنتشر المشكلات الاجتماعية، وتضيع الأخلاق، ويسود الفساد، ولكن عندما يكون فهم الرجل للمرأة (والعكس كذلك) أنه إنسان قد يكون رائعا فتعشقه وتبني معه حياة المستقبل، أو إنسانا لا يأسر مشاعرك، فتعامله باحترام دون البحث عن لحظة المتعة المؤقتة، فهنا يكون لدينا مجتمع تسوده الفضيلة والعفة.
إن مصطلح ''الغزل العذري'' الذي يطلق على الشعر العربي، ليس مجرد مصطلح، بل هو شعار ظاهرة اجتماعية اسمها ''الحب العذري''، حيث كان للحب تقديره العميق في المجتمع، الذي يبرر للشاعر كلماته العذبة وضعفه أمام حبه وهيامه بالمحبوب. الحب حينها لم يكن ذا معايير تلفزيونية، فقد عشق قيس ليلى وهي امرأة شديدة القبح، ولم يعيب عليه أحد ذلك، كما كان سيحصل لو كان يجول في شوارعنا اليوم.
أكره الأعمال التلفزيونية والفنية التي تقدم الحب على أنه جزء من عبث الإنسان وأنانيته، ولكن هذه الأعمال تنبثق من ثقافة الشباب اليوم، التي تقيم المرأة على أساس مواصفاتها الخارجية، وهناك طبعا مواصفات للمرأة التي يجتذبها الرجل لعلاقة العبث، ومواصفات أخرى صممها المجتمع للمرأة التي تصلح للزواج، وهذه ثقافة طبعا موجودة أيضا في أوساط النساء، وإن كانت أقل، لأن المرأة ما زالت تؤمن بقيمة الحب.
الحب يمنحنا حياة لها معنى تتجاوز العلاقات المضبوطة بالقوانين الاجتماعية والرغبات الشخصية والنظرة الوظيفية (المصلحية) للجنس الآخر.
الحب هو الحل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي