أهمية تنظيم التأمين.. وإيجاد هيئة مستقلة له

بعد أن كتبت مقالين عن المرور وشركات التأمين من حيث الإيجابيات والسلبيات، خطر على ذهني تساؤل من حيث وجود تنظيم محكم للتأمين وهل ما صدر يعد كافيا؟ وفي الحقيقة أن حداثة وجود التأمين، وخاصة الإلزامي على رخص القيادة ثم تعديله ليكون على المركبة، يعطي انطباعا وكأن المملكة تخوض تجربة حديثة، وما استتبع ذلك من ممارسات يشوبها بعض السلبيات التي أدت إلى عدم ثقة بعض المواطنين بشركات التأمين نتيجة مماطلة بعض الشركات في دفع التعويضات للطرف المتضرر الذي قرر له حق التعويض من الجهات المختصة، وقد يكون بسبب عدم وجود التأهيل والمعرفة لمن يزاولون العمل سواء في شركات التأمين، أو في الجهات الممارسة والمشرفة على تطبيق الأنظمة التي صدرت، وهذا قد يكون صحيحا من خلال ما لوحظ من تعديلات، وما صاحب ذلك من تعطيل، أو إرباك في الممارسات العملية تضايق واشتكى منها عدد من المؤمنين لدى شركات التأمين، أو المحالين على بعض الشركات عندما يلاقون مماطلة في دفع التعويضات المقررة من الجهات المختصة، وغير ذلك من السلبيات. وإزاء كل ما حصل ويحصل فلابد من وجود نظام موحد محكم للتأمين بكل أنواعه ـ الإلزامي والاختياري ـ يسن بعناية فائقة يأخذ بآخر ما وصلت إليه الدول المتقدمة من تنظيم سواء كان الإلزامي على المركبات، والخدمات الطبية (التأمين الطبي)،أو الاختياري الذي يتم لمختلف المناشط التجارية والصناعية والإلكترونية والزراعية، وغيرها ممن ترى أن التأمين يعد ضروريا لحماية مخاطر أنشطتها، ومثل هذا النظام لابد أن ينص فيه على إنشاء هيئة مستقلة تتولى الإشراف على تطبيق النظام من حيث منح التراخيص لشركات التأمين المؤهلة، ومراقبة أنشطة الشركات بحزم وجدية، وهذا في تقديري سيكون أفضل مما هو معمول به في الوقت الراهن من قيام إدارة أو قسم مختص في مؤسسة النقد العربي السعودي بدور منح التراخيص والإشراف مع جهات أخرى من وزارتي التجارة والصحة، وهذا قد يكون من أسباب السلبيات الحاصلة في الممارسات العملية، لأن كل جهة لها اختصاصات محددة في أنظمتها، ولم يكن التأمين من ضمنه، ناهيك عن أن هذا يترتب عليه أن يوكل الأمر بشأن التأمين إلى غير مختص من الإداريين أو ذوي اختصاصات أخرى بعيدة عن التأمين، ومتطلباته من فنيين وقانونيين يمكنهم مراجعة وثائق التأمين (بوالص التأمين)، والتأكد من أن نصوصها متوازنة لصالح كل الأطراف خالية من النصوص الإذعانية، ومعرفة كل الجوانب الخطرة والكوارث التي تكون محلا للتأمين، واستبعاد كل ما لا يشمله التأمين، وهذه من الأمور المهمة التي تحتاج إلى مراقبة دقيقة وجادة بحيث لا يترك إعداد و صياغة وثائق التأمين (بوالص التأمين) لشركات التأمين بشكل مطلق كما هو حاصل الآن، فوثيقة التأمين عقد بين طرفين يجب أن يراعى فيه حقوق والتزامات كل طرف بشكل عادل ومتوازن، يضاف إلى ذلك ضرورة وجود محكمة مختصة للنظر في منازعات التأمين، فإن لم توجد محكمة مختصة فتشكل لجنة قضائية من ذوي الاختصاص للنظر في منازعات التأمين، وهناك خيار يمكن الأخذ به بأن يترك لأطراف وثائق التأمين في إيراد نص صريح في الوثيقة يقضي بحل أي خلاف أو نزاع عن طريق التحكيم مع ذكر الشروط الأساسية للتحكيم، وأما الشروط الأخرى فتحرر في وثيقة التحكيم التي تعد ويوقعها الخصوم أو وكلاؤهم الرسميون المفوضون وفق ما تقضي المادة الخامسة من نظام التحكيم السعودي الصادر عام 1403 هـ / 1983م، والمهم تسهيل الإجراءات، والسرعة في الإنجاز، والتحكيم ميزته أن الخصوم هم الذين يختارون أعضاء هيئة التحكيم بإشراف الجهة المختصة أصلا بنظر الدعوى عندما تعتمد وثيقة التحكيم، والتحكيم حلت بموجبه كثير من قضايا التأمين في وقت كان التأمين محدوداً واختيارياً.
ما تقدم ذكره مجرد طرح آراء ومقترحات لعل فيها الفائدة التي تولد القناعة للأخذ بها، أو ببعضها بما يحقق الصالح العام، وينفع في تنظيم التأمين بما يحسن الأداء، ويعالج القصور والسلبيات، والله من وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي