الشيخ العبودي .. عميد المؤلفين المعاصرين

جاء في الحديث الشريف ''منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا''، وإذا كان طلاب الدنيا هم الصفة الغالبة، فإن الأمر لا يخلو من طلاب علم نذروا أنفسهم للعلم وأخلصوا له، فكان أن ارتفع شأنهم، وفاقوا في الصيت والتقدير كثيراً من طلاب الدنيا .
وفي عصرنا الحاضر برز أعلام لم تمنعهم ارتباطاتهم العملية، رغم أهميتها، عن طلب العلم والتأليف في مختلف مجالاته، ولعل أبرز هؤلاء وأغزرهم إنتاجاً، الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الذي يستحق أن يكون أنموذجاً للعالم متعدد الاهتمامات، ومضرب المثل في القدرة على إدارة الوقت وإحسان استغلاله، وفي الجلد وقوة العزيمة والإصرار.
الشيخ محمد العبودي الذي استطاع أن يثري المكتبة العربية بما يزيد على 280 كتاباًً مطبوعا أو مخطوطاً أو تحت الطبع، في الرحلات والتاريخ والجغرافية واللغة والأدب والأنساب والأمثال، إضافة إلى رصده لجهود المملكة في مجال خدمة المسلمين في العالم، حالة تستحق الدراسة والبحث، لتقديمها للأجيال كدليل على أن الإنسان إذا استطاع تنظيم وقته وأخلص في عمله يحقق منجزات كثيرة.
وإذا كان الشيخ العبودي يستحق أن يسجل اسمه ضمن الأرقام القياسية في عدد المؤلفات في عصرنا الحاضر، فإنه يستحق كذلك أن يدرج ضمن الأرقام القياسية في عدد الدول التي زارها، والتي تكاد تشمل جميع دول العالم، وهي لا تتوقف عند زيارة واحدة، وإنما تصل إلى زيارات متعددة، تشمل أجزاء كثيرة من بعض الدول، فعلى سبيل المثال قام بزيارة 23 ولاية في الصين، كما زار 27 ولاية في البرازيل.
منهج الشيخ العبودي في التأليف قائم على الرصد الدقيق لكل ما يمر به من حدث، أو يسمع به من قصة، أو يُذكر أمامه من معلومة، بل ويتميز بكتابة يومياته بشكل دقيق مما سيجعل هذه اليوميات مشروعات كتب قادمة.
وإذا كان الشيخ محمد العبودي متخصصاً في العلم الشرعي، إلا أن إنتاجه لا يتوقف عند حدود هذا التخصص، بل يمتد إلى علوم أخرى، ففي الأمثال نجد له ''الأمثال العامية في نجد''، وفي الجغرافيا نجد له ''معجم بلاد القصيم'' في ستة مجلدات، وفي اللغة كتاب ''كلمات قضت .. معجم بألفاظ اختفت من لغتنا الدارجة أو كادت'' في مجلدين، و''معجم الكلمات الدخيلة في لغتنا الدارجة'' في مجلدين و''معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة أو ما فعلته القرون بالعربية في مهدها'' ويقع في 13مجلدا، وهو آخر ما صدر من كتب الشيخ، وفي الأنساب سيصدر له قريباً ''معجم أسر بريدة'' في 23 مجلدا، كما سيصدر له كتاب ''الأصول الفصيحة للأمثال الدارجة'' في ثمانية مجلدات، ويضاف إلى هذا تناوله شخصيات لا يمكن رصد سيرتها إلا عبر ما جمعه عنها الشيخ العبودي في كتبه من أمثال ''أخبار الملا ابن سيف'' و''مشاهد من بريدة'' و''أخبار مطوع اللسيب'' و''أخبار قني''.
وفي مجال الرحلات نجد أن كتب الشيخ العبودي التي بلغت 167 كتاباً، تعد مرجعاً مهماً لمعرفة أحوال شعوب كثير من الدول، بل ونجد أن العبودي ألف ما يزيد على عشرة كتب عن البرازيل وحدها.
وهذه الجهود في مجال التأليف رغم ما تحتاج إليه من وقت، لم تمنع الشيخ العبودي من أن يكون له حضور عبر وسائل الإعلام سواء من خلال المذياع أو عبر صفحات الصحف، حيث تجده طارحاً لفكرة أو مقرضاً لكتاب.
وقد لقيت جهود الشيخ العبودي تقديراً كبيراً من الدولة، تمثل باختياره من قبل المهرجان الوطني للتراث والثقافة شخصية العام الثقافية في المملكة العربية السعودية، وفي منحه العديد من الجوائز، وآخرها جائزة الأمير سلمان بن عبد العزيز التقديرية للرواد في تاريخ الجزيرة العربية.
وهذا التقدير على المستوى الرسمي يحتاج إلى تقدير آخر على مستوى القطاعات المعنية بالثقافة والإعلام، عبر إعداد برامج وثائقية تبين منهجه في القراءة والتأليف، وعبر تبني طباعة ما هو مخطوط من كتبه، وتسهيل وصولها إلى القارئ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي