الجمعة, 25 أَبْريل 2025 | 26 شَوّال 1446


5 مراحل لاستخدام الطاقة الذرية.. أشرق عهد جديد للتنمية

لا يمكن تصور وجود وخروج أي نظام علمي وبحثي حديث مرتبط بالحفاظ على الطاقة النفطية الكامنة تحت الأرض وبقاء استخدامها فترات طويلة، إلا بوجود دراسة متعمقة وافية تهدف إلى احتواء كثير من المتغيرات الحياتية والسياسية والاقتصادية، التي تعصف بالعالم وتجره من وقت إلى آخر إلى التفكير بجد في توفير بدائل للطاقة الموجودة بأخرى متجددة مستدامة ونظيفة صحيا وبيئيا.
فتوجه المملكة العربية السعودية أخيرا واتخاذها طريقا صحيحا لنموها واقتصادها واستثمارها لمصادر الطبيعة المتجددة النظيفة، حين أشرق علينا وحل بظلاله على الجميع الأمر الملكي الكريم بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، حيث تمحورت أساسياته من أجل هدف حيوي آني ومستقبلي ستتوج ثماره بإذن الباري ـ عز وجل ـ للأجيال القادمة، فهو يعد من دون شك ضمن السياسات التنموية المعنية بتطور النظام المؤسساتي للمملكة وامتدادا لتكامله، تتويجا للرؤية الثاقبة المستقبلية الحقيقية التي يتطلع إليها المليك المفدى، ولا سيما أننا نعيش في فترة من فترات التحول العلمي النهضوي، وفي طفرة الانفتاح التنافسي الكبير والسريع المعرفي والمعلوماتي، وأكدت القيادة الحكيمة بهذا الحدث التاريخي أنها تسير نحو الطريق الصحيح لمواكبة المتطلبات في عصر العولمة والامتداد الاستهلاكي للطاقة الناضبة بتزايد النمو السكاني على الأرض.
الحديث عن مدن الطاقة النووية السلمية حديث واسع ومتشعب، ويستدعي كثيرا من الدقة في الفهم والاهتمام والتركيز في احتواء الخوف أيضا من جوانبه الأمنية والسلامة حتى لا تختلط وتتداخل المعلومات، وقد لا يخلو من خمسة اتجاهات أو مراحل مهمة أساسية وفقا لرؤية تحليلية تزيد أو تنقص وتختلف من محلل إلى آخر؛ مرحلة أولية وهي ما تم بالفعل في الإعلان والتأسيس وتحديد الرؤية والخطة التي تسير عليها المدينة بما فيها الهيكلة التنظيمية والإدارية والتشغيلية بشكل مبدئي، قابلة للتحديث والتجديد في المراحل القادمة وفقا للوضع المترتب، ومرحلة أخرى ثانية عملية تعنى بالاحتياجات الحقيقية ومواقعها التي يجب البدء في تنفيذها لارتباطها بالترتيبات والتجهيزات المخبرية والبشرية البحثية والتنفيذية، وتم التطرق إليها بشكل عام في المرحلة الأولى من خلال ما ظهر في الإعلام، والمرحلة الثالثة وهي التنفيذية على الأرض، التي ستأتي لاحقا وفقا للجدول الزمني الموضوع أو ما يتم الاتفاق عليه في المرحلة السابقة بعد استجماع الأفكار والاتصال الداخلي والخارجي، والمرحلة الثالثة بطبيعتها مرحلة بناء وتحتاج إلى جهد كبير يظل مرتبطا بمخرجات المرحلة الثانية ويستمر يعاين ويعاير مدى الالتزام بالجداول الزمنية والاحتياجات التجهيزية التي وُضِعت وصُمِّمَت، أما المرحلة الرابعة وهي المرحلة التشغيلية، وهي المرحلة الحساسة والمحفوفة بالخوف وبالصعوبات التي يُترَقَّب فيها النجاح واستكمال الترتيبات، والمرحلة الأخيرة الخامسة التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا إهمالها، وهي من أساسيات العمل التطويري المتجدد الاستراتيجي التي يعاد فيها رسم الخطط وتُصاغ وتنفذ المراحل الأربع الأخيرة فيه من جديد من خلال المراقبة والتقييم.
أتوقف هنا وأتذكر أمرا في غاية الأهمية وأحد أعمدة العمل في المدن النووية، والمعني بوضع المواد المعدنية وغير المعدنية المستخدمة ومدى الأمان والحماية التي يجب أن تكون عليه، وفقا للأبحاث والدراسات المتعمقة قبل الاستخدام وبعده من جانب الرقابة والفحص المبرمج الدوري، بسبب التقادم والاستهلاك المؤدي إلى التآكل ومنه إلى خطر الضعف والتهالك، وذلك إبان وجودي في بريطانيا للدراسات العليا في جامعة مانشستر- يومست سابق UMIST بداية الألفية الثالثة، في مركز هندسة التحكم والتآكل للمواد، في توجه لمشروع رقابي ودراسي بحثي كبير من الحكومة البريطانية لمراجعة وتطوير المفاعلات والمدن النووية الموجودة، وكان من ضمنها أبحاث المواد المعدنية المستخدمة التي أعطيت للمركز ضمن المشروع، في خطوة صحيحة واستباقية في الوقت نفسه جراء التباطؤ الذي يحدث أحيانا في هذا الجانب الكامن بالمخاطر، ويغفله العاملون والباحثون النوويون في العناية بالأمر بشكل مركز مطلوب، في غلبة الجوانب الإنتاجية عليه والاهتمام أكثر بما يتعلق بتمامية المعدات التشغيلية.
فهذا لا يعني أن المراقبة الموجودة للمواد المعدنية وغيرها في المدن النووية والمفاعلات لا تأخذ نصيبا كبيرا من الاهتمام، لكن هناك تفاوتا في فهم طبيعة تغير المواد مع الوقت من باحث إلى آخر، نتيجة لعدم وضوح كثير من التفاعلات التي تحدث في ثنايا بعض المواد جراء تعرضها للاستخدام الطويل في ظل تغير الظروف المحيطة من ضغوط وحرارات ومواد كيماوية، وبقاء غموض ما يحدث إلى الآن, والذي لم يتمكن العلماء من تحليله بشكل نهائي دقيق، مع بقاء المحاولات إلى يومنا هذا في تفسير بعض الظواهر المؤدية إلى المشكلات والضعف في المواد وربطها بالتوقعات الحدسية وعدم الجزم بأسبابها. من هنا تجدر الإشارة إلى متابعة كثير من التطورات العلمية الحديثة التي تسهم في معالجة وتقوية المواد لإطالة أعمارها وتقليل المخاطر الكامنة فيها بشكل كبير، والأمثلة لا تنحصر في تقنيات الطلاء الواقي الكيماوي والمعدني فحسب، بل تتعداه إلى استخدامات الليزر الصناعي التي أثبتت التجارب فاعليتها العالية في الوقاية والتحمل الكبيرين.
ومن المعلوم في عالم المواد، أن التآكل والصدأ بأنواعه الكثيرة المعروفة لدى المتخصصين، يعد بمثابة السرطان الذي يحدث في الجسم البشري، الذي لا يُعرف بدقة كيفية بدايته ووقت نشوئه وانتشاره، تشابها قريبا من حيث الغموض كما أشرنا مسبقا فيما يحدث في بعض أنواع التآكل من متغيرات غريبة ومفاجئة غير متوقعة وغير ثابتة، لهذا يعد جانب الحماية والمراقبة الدورية والتطويرية للمواد المستخدمة، من الجوانب التي يجب أن تكون ضمن الأولويات وداخلة في المراحل كلها التي تحدثنا عنها، واختيار الأسلم والأصلح العالي الكفاءة والقيمة، هو الخيار الوحيد ولا غيره خيارا لخطورة الوضع وتجنب ما لا يمكن إصلاحه بعد الكوارث والأضرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي