تلميع الدخل والمحلل المحترف

عندما عملت في مهنة المحاسبة والمراجعة كمحترف منذ عشرين عاماً وتركت التدريس في الجامعة مؤقتاً، لم jكن هناك ضغوط سواء مباشرة أو غير مباشرة على معدي القوائم المالية لغرض تلميع الدخل، كما لم تمارس على المراجع الخارجي ضغوط تذكر من قبل الملاك أو الإدارة، وكأن أمر القوائم المالية لا يعنيهم، فما ينتجه المحترفون مقبول مهما كانت نتائجه؛ أما الآن فإن الأمر مختلف تماماً، فهناك قوى مختلفة كل يحاول أن يصل برقم الدخل إلى المستوى الذي يحقق أهدافه، وبينها مراجع الحسابات الذي يعتمد على معايير محاسبية تكون مطاطة أحياناً تمكنه من أن يختار أسلوب القياس المتماشي مع المعايير وفي الوقت نفسه يلبي جل أهداف أطراف اللعبة، مع محافظته على سلوكه المهني. هذا الوضع ليس لدينا فقط، ولكنه الممارسة العادية في جميع أنحاء العالم. وهي ممارسة لا يمكن اتهامها بعدم المهنية بسبب أن إعداد القوائم المالية الملمعة تم ضمن إطار معايير المحاسبة المتعارف عليها. إن وجود محللين محترفين لديهم القدرة على قراءة التقارير المالية والتنبه لعمليات التلميع التي تتم يعد أمرا ضروريا وحيويا للسوق المالية ولكنه يشكل ضغطاً على معدي ومراجعي التقارير المالية. فكل الأطراف يعلمون أنه بتحليل أسعار أسهم الشركات قبل صدور القوائم المالية بأيام وقراءة التقارير المالية الصادر يستطيع المحلل أن يحكم على صحة توقعاته، وسبب عدم صحتها وبالتالي التدقيق فيما إذا كانت التقارير المالية الصادرة قد خرجت من مركز تلميع، فالمحلل المحترف يقيس احترافيته على أساس صحة تقديره للتغير في سعر السهم، خصوصاً للأيام القليلة التي تسبق الإعلان عن النتائج، ويحاول دوماً تطوير قدراته.
وينبغي التنبه إلى أنه وعلى الرغم من وجود أبحاث علمية تؤشر إلى وجود ارتباط بين نتائج الشركة وبين حركة سعر السهم قبل الإفصاح عن تلك النتائج، وخاصة في سوقي داوجونز ونازداك الأمريكي، إلا أن ذلك قد لا يعني تسرب النتائج المالية قبل الإفصاح عنها للعامة، ولكن توقعات المحللين الماليين عادة ما تكون دقيقة. ولكن، إذا ما أظهرت القوائم المالية نتائج تختلف عن تلك التوقعات فإن المحللين الماليين ينظرون بعمق للأسباب، فإذا ما كانت تلميعاً للدخل، انكشفت بسرعة، وهذا يعرفه أطراف اللعبة كافة، ولذلك فهم يتحاشونه بكل الوسائل إلا إذا كانوا مضطرين لها. ولكن إذا وقعت النتائج المالية الملمعة ويقصد إخفاء المعلومات أو غش أو تلاعب في يد المحلل المحترف فإن ذلك بداية انكشاف اللعبة، ولنا في كل عمليات الإفلاس من «إنرون» إلى «لمينز براذرز» أمثلة واضحة.
ألاحظ هذه الأيام من خلال ما ينشر للمحللين أن منهم محترفين بدأوا يمارسون الدور الصحيح، وهنا أقول لمعدي ومراجعي القوائم المالية «انتبهوا» فلن ينتهي الأمر بمجرد إصدار تلك القوائم كما كان الأمر عليه في السابق، والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي