لجنة تسوية المنازعات المصرفية وكلمة إنصاف
اطلعت على عديد من المقالات المنشورة التي تنتقد لجنة تسوية المنازعات المصرفية، ومنها مقال نشر في ''الاقتصادية'' أخيرا بعنوان ''اللجنة المصرفية.. الخصم والحكم'' يتهم اللجنة المصرفية بأنها تفتقر إلى أبسط مقومات القضاء العادل النزيه المستقل، وأن التظلم الذي يقدم من قراراتها يحال إلى اللجنة نفسها للنظر فيه فتكون هي الخصم والحكم، وأن شكاوى الناس تزايدت كثيراً لتعرض حقوقهم للضياع، وتعسف البنوك بحقهم مع حرمانهم من حقهم الشرعي والإنساني في اللجوء لجهة قضائية تكفل لهم جميع ضمانات القاضي الطبيعية، التي من أهمها حق الدفاع الكامل، وحق مواجهة الأدلة، وحق الاعتراض لدى محكمة أعلى، وأن الخطورة في قرارات اللجنة أنها واجبة النفاذ فوراً دون اعتراض، وأنه يبدو أن ما تتمتع به البنوك من نفوذ واسع في مواجهة الأفراد العاديين هو السبب وراء قوة تنفيذ قرارات اللجنة ... إلخ.
وقد لاحظت في المقالات العديدة التي نشرت عن لجنة تسوية المنازعات المصرفية أن عديدا من كتابها ليس لديهم إلمام كاف بآلية عمل اللجنة، وبالمبادئ المصرفية التي أرستها وأهميتها في العمل المصرفي، وما حققته لخدمة الاقتصاد.
فلجنة تسوية المنازعات المصرفية ولدت في ظل عدم تجميع شامل لمبادئ وأصول وقواعد العمل المصرفي، وقد أرست تلك اللجنة فيما أصدرته من قرارات عديدا من مبادئ وأصول وقواعد العمل المصرفي على نحو يضاهي، بل يتفوق أحياناً على المبادئ التي أرساها عديد من المحاكم في عدة دول في شأن العمل المصرفي . وهذه المبادئ أسهمت في تطوير الأداء المصرفي الراقي والعادل، سواء بالنسبة للبنوك أو بالنسبة لعملائها. وتلك المبادئ المصرفية التي أرستها لجنة المنازعات المصرفية تصلح منظومة متكاملة لحماية العمل المصرفي من أي انحراف وحماية عملاء البنوك من الجور على حقوقهم، كما أن قرارات مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية ولجنتها الاستئنافية، قد أسهمت في إرساء هذه المبادئ، ومنها قرارات متقدمة للغاية لم تصدر من أعرق القضاء في بعض الدول، وكالقرار الذي يفرق بين مكان الإنشاء الفعلي ومكان الإنشاء الحكمي في الشيك.
والعديد من العملاء الذين أقاموا قضايا ضد البنوك أمام لجنة تسوية المنازعات المصرفية حكم لصالحهم استناداً إلى المبادئ المصرفية التي أرستها اللجنة.
والطعن في اللجنة بمقولة أنها تفتقر إلى أبسط مقومات القضاء العادل أمر فيه مبالغة، إذ المعروف أن طرفي النزاع لا يرضيهما معاً عادة قضاء القاضي – أي قاض – لأن أحدهما يحكم ضده أو لا يحكم له بكل طلباته، وتلك طبيعة البشر. وقد لاحظت أن ما ينشر أخذاً على اللجنة يستند إلى شكاوى بعض عملاء البنوك الأطراف في القضايا، دون النظر إلى شكاوى البنوك ذاتها من البعض من قرارات اللجنة، هو أمر نقدر أسبابه، ذلك أن لا شيء يمنع عميل البنك من الشكوى من قرار صدر ضده من اللجنة، ونشر شكواه بالصحف، أما البنوك فقد يشكو بعضها مما صدر ضدها من اللجنة، وذلك في صورة تظلم تقدمه إلى اللجنة، ولكن البنوك لا تلجأ ولا تسمح بنشر شكواها بالصحف احتراماً للأمر السامي الكريم الصادر بإنشاء اللجنة والتزاماً فيها بأصول وقواعد التقاضي.
والمطلع على القرارات الصادرة من لجنة تسوية المنازعات المصرفية سيلاحظ أن عديدا منها صدر لمصلحة عملاء البنوك، وقد تظلمت بعض تلك البنوك من تلك القرارات أمام اللجنة ورفضت تظلماتها، ولم تلجأ البنوك إلى الصحف لنشر ذلك.
وقد كشفت عديد من قرارات اللجنة عن عدالتها، فضلاً عن أن السواد الأعظم منها يتفق وصحيح النظام والاتفاقيات الموقعة بين طرفي النزاع وأصول وقواعد العمل المصرفي، فإن البعض من تلك القرارات قد أعفى عديدا من العملاء من جزء كبير من المديونية، وقرر بعض القرارات تقسيط مديونية بعض العملاء لآجال طويلة إدراكا من اللجنة لظروف المدنيين وتمشياً معها. وقد تظلم البعض من أطراف الخصومة إلى اللجنة من قرارات أصدرتها وتم الفصل في بعض تلك التظلمات مصلحة المتظلمين.
ومن العدالة ما لاحظناه في أحد القرارات الصادرة من اللجنة الذي أرسى مبدءاً مصرفياً راقياً، حيث حمل القرار بنك نصف قيمة اعتماد مستندي، لأنه وردت مستندات الاعتماد ورفض العميل تسلمها، وتم بيع البضاعة بالميناء، واستند القرار فيما انتهى إليه إلى أنه كان يجب على البنك أن يتقدم في هذه الحالة لتسلم البضاعة وبيعها لاسترداد حقه.
صحيح أن البعض القليل جداً من قرارات اللجنة الصادرة لمصلحة البنوك أو لمصلحة عملائها لاحظنا أنه مخالف لأصول وقواعد العمل المصرفي، إلا أن هذا أمر طبيعي يحدث في أي قضاء وفي أي دولة، ولكن ذلك لا ينال من الجهد الكبير الذي بذلته وتبذله لجنة تسوية المنازعات المصرفية.
أما عن النزاهة، فلم نسمع عن اللجنة ما ينال منها، وتلك حقيقة يجب أن نقررها للحق والإنصاف .
والقول بعدم استقلالية، ونعتقد أن المقصود به تبعية اللجنة، إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، فتلك تبعية إدارية فقط خاصة بتكلفة العاملين بأمانة اللجنة، أما الناحية الفنية فاللجنة مستقلة تماماً فيها ولا سلطان لأحد عليها سوى ضميرها، ولم نلاحظ في أي وقت من الأوقات أن تدخلت مؤسسة النقد العربي السعودي في عمل اللجنة أو وجهتها فيه، وتلك حقيقة واقعة، والمؤسسة بفضل حكمة قيادتها تدرك أهمية تلك الحقيقة .
ومن استقلالية اللجنة أن المتقاضين أمامها، بنوك أو عملاء سواسية في كل إجراء، وفي كل قرار تصدره اللجنة.
والتظلم من قرارات اللجنة أمامها أمر واقع، لأن التقاضي في المنازعات المصرفية أنشئ من درجة واحدة، والأفضل أن يكون من درجتين أو ثلاث، ونعتقد أن إنشاء لجنة استئنافية للنظر في استئناف القرارات الصادرة عن اللجنة المصرفية أمر وارد.
وفي ظل الوضع الحالي نظرت اللجنة التظلمات التي أحيلت إليها وعدلت البعض من قراراتها، سواء لمصلحة العملاء أو لمصلحة البنوك – كما سبق القول - متى تبين لها سلامة التظلم.
أما القول بشكاوى البعض من عدم كفالة ضمانات التقاضي من حق الدفاع الكامل وحق مواجهة الأدلة، فمردود عليه بآلية العمل لدى اللجنة، والمتمثلة في قيام الأمانة العامة للجنة بإرسال الشكوى إلى المدعى عليه – عميلاً كان أو بنكا – للاطلاع عليها ومستنداتها والرد عليها، وعرض ذلك الرد ومستنداته على المدعى ليقول رأيه فيها، ثم عرض ذلك الرأي ومستنداته إن وجد على المدعى عليه لإبداء رأيه فيه باعتبار أن المدعى عليه آخر من يتكلم، وقد يتكرر ذلك عدة مرات حتى يستوفي الخصوم إبداء جميع ما لديهم من دفوع ودفاع ومستندات، ثم تحدد جلسة أو عدة جلسات لنظر الدعوى تتاح خلالها الفرصة الكافية لطرفي النزاع لإبداء ما لديهم من جديد من الدفوع والدفاع والمستندات، مع إتاحة الفرصة كاملة لهم للمناقشة، كما أن تقرير الخبير الذي قد تنتدبه اللجنة في الدعوى يتاح للخصوم الاطلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم بشأنه، وبذلك تتاح للخصوم أمام اللجنة فرصة الدفاع كاملة ومناقشة الأدلة .
أما القول بأن قرارات اللجنة واجبة النفاذ فوراً وأن وراء ذلك ما تتمتع به البنوك من نفوذ واسع في مواجهة الأفراد العاديين، فهو غير صحيح، لأن عديدا من القرارات الصادرة من اللجنة لمصلحة البنوك لم تنفذ، سواء بشكل كامل أو بشكل جزئي، لأسباب تتعلق بجهات التنفيذ.
أما القرارات الصادرة من اللجنة لمصلحة العملاء ضد البنوك فإنها تنفذ بالكامل، وهذا التنفيذ لا يتم عن طريق السلطة التنفيذية، وإنما يتم إما تلقائياً من قبل البنوك، أو بتعليمات من مؤسسة النقد العربي السعودي، وهي تعليمات صارمة لا تملك البنوك عدم تنفيذها أو التراخي في التنفيذ.
وقد أسهمت اللجنة بشكل ملحوظ في تسوية عديد من الخلافات بين البنوك وعملائها ودياً.