لا شرعية «إسرائيل»

هذه مسألة بالغة الجدية والأهمية, وقضية ليست قابلة لأنصاف الحلول والجدل والنقاش, خصوصا في الذكرى الـ 62 لإنشاء كيان العدو الصهيوني المسمى ''إسرائيل'', فوجود هذا الكيان الصهيوني وجود غير شرعي بالكلية لا تاريخيا ولا قانونيا ولا إنسانيا, وكل ما يدعونه من حقوق ما هي إلا كذب وتزييف للتاريخ والحقيقة, فها هم يحتلون قدسنا المبارك منذ 43 سنة, لم يستطيعوا خلالها إثبات حق لهم فيه على الرغم من كل الحفريات وعشرات علماء الآثار الذين استعانوا بهم دون أن يجدوا أثرا واحدا يهوديا بما فيه بقايا هيكل سليمان الذي يدعونه .. فمن أين جيء بادعائهم بحقهم في أرض فلسطين؟ هذه حقيقة علينا أن نرفع بها صوتنا عاليا في كل محفل ومؤتمر ومناسبة وفي غير مناسبة, وهو ما يجب أن يكون موقفنا المبدئي غير القابل للتفاوض والنقاش والجدل.
إن أول خطوة لاستعادة الحقوق المسلوبة هي عدم الاعتراف بمن سلبها ولا بأي حق له فيها, وهذا ما تفعله الأمم الحريصة على حقوقها وقدسيتها على أساس أنه لا يضيع حق وخلفه مطالب بصدق وصلابة, وها هي الصين مثلا كانت وما زالت لا تعترف بالصين الوطنية تايوان, وتعتبرها جزءا من التراث الصيني الوطني, وعلى الرغم من احتضان الولايات المتحدة لها, إلا أنها عجزت عن إبقائها عضوا في الأمم المتحدة بسبب رفض الصين الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة عنها, فما زالت تايوان دولة خارج الأمم المتحدة بعد أن أخذت الصين مكانها فيها, ويتحرج معظم الدول من إقامة علاقات دبلوماسية معها تحسبا لرد فعل الصين.
في قضية شرعية ''إسرائيل'' تهاوت مواقفنا حيالها بكل أسف, وهو ما أضعف ويضعف موقفنا, ويضر بجوهر القضية وبعدالة مطالبنا, فبعد أن كنا نسميها المزعومة والمصطنعة, بدأنا نسميها ''إسرائيل'' مجردة من أي صفة كانت, وبعد أن كنا نطالب بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر أخذنا نترجى المجتمع الدولي أن يعيد لنا فقط الأراضي التي احتلت في عدوان 67, وفي وقتنا الراهن تنازلنا عن شرط فك المستوطنات التي زرعوها في الضفة وحاصروا بها القدس كمقدمة لتهويدها بالكامل كعاصمة أبدية لكيان العدو اللاشرعي أساسا, بمطلب متواضع وهو فقط تجميد الاستيطان ولو بشكل مؤقت لنوافق على إجراء مفاوضات, حتى هذا المطلب المتواضع تخلينا عنه بتخريجه المفاوضات غير المباشرة التي لا معنى لها ولا قيمة لها.
الإصرار والتمسك بعدم شرعية وجود ''إسرائيل'' في أساسه وما نتج عن هذا الإيجاد برمته, هو ما يجب أن يكون القاعدة الصلبة التي يجب أن يكون عليها موقفنا, وليكن هذا هو أضعف الإيمان إن كنا لا نملك القوة اللازمة لاستعادة حقوقنا التي سلبت, فالتفاوض حولها يعني التنازل عن جزء منها وقد يكون أكبرها وأهمها, والبديل هو أن نترك الأمور للزمن. الصين لم تشن حربا على تايوان مع أنها قادرة عسكريا, بل حاصرتها سياسيا, وعلينا فقط الانتظار, فتغير الأحوال وموازين القوى كفيل بتصحيح هذا الوضع اللاشرعي لكيان العدو الغاصب والعدواني, تحت ضغط موقف حاسم وحازم في عدم الاعتراف ولو قيد أنملة بشرعية ما لهذا الكيان.
لقد أقنعونا بالواقعية وبقاعدة خذ وطالب, وأن لا حل لهذا الصراع إلا بالسلم الذي يتطلب التفاوض الذي بدوره يفرض تنازلات من كل طرف, وتنازلاتنا المطلوبة فادحة, ومنها اعترافنا بهذا الوجود الصهيوني على أرضنا وسرقة تاريخنا حتى لو كان ضمن حدود 67, فمجرد هذا الاعتراف يلغي جوهر حقنا وهو عودة الأرض لأصحابها, وقيل لنا إنه لا حل بالحرب, فهذا الكيان قوي عسكريا, ومدعوم دوليا, ولا مانع من التفاوض لحل الصراع سلميا, لكن ليس مع هذا الكيان مباشرة, بل مع المجتمع الدولي المسؤول الأول والأخير عن وجود المشكلة.
ويريدون حلها سلميا..؟! أهلا وسهلا, لكن بشروطنا نحن, وشروطنا ليست مستحيلة ولا صعبة ولا دموية وإرهابية, يريد هؤلاء اليهود العيش في فلسطين العربية المسلمة ومهد سيدنا عيسى ـ عليه السلام؟ أيضا أهلا وسهلا, ولكن كمواطنين فلسطينيين لمن هو فلسطيني في الأساس, أما شذاذ الآفاق الذين قدموا بشره وطمع من الشرق والغرب ليستوطنوا مدن وقرى ومزارع وأراضي الفلسطينيين, فلا مكان لهم, عليهم العودة إلى الأوطان التي قدموا منها, فاليهودية ديانة وليست قومية, وبذلك تحل المشكلة دون إراقة دماء ولا حروب لا نهاية لها.
أعرف أن هناك من سيرى لا معقولية لهذا الكلام, وأنه مجرد تخاريف لا واقعية, وأن الزمن تخطى مثل هذا الطرح, وهذا التوصيف سبق أن قيل عن تطلعات ''هرتزل'' لإقامة وطن قومي لليهود, فإذا كان هرتزل وجابوتسكي جعلا من اللامعقول واقعا ومن التخاريف حقيقة, فمن الأولى الحقوق والحقائق والحق, وهذا ما سيكون - بإذن الله - فللباطل جولات, لكن للحق جولة نهائية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي