نشوء الشركات العائلية واندثارها (2)
أدت المشكلات المالية التي تعرضت لها أخيرا بعض الشركات العائلية السعودية بسبب سوء استخدام السلطة من قبل بعض ملاكها، إلى تدمير سمعتها تدميرا يصعب علاجه في سنوات قليلة، هذا إن كتب لها البقاء! كما تعرضت شركات أخرى لخلافات جسيمة بين الورثة يُخشى ـ إن استمرت ـ أن تؤدي إلى انهيارها وهي في بداية مرحلة الجيل الثاني. بل تؤكد بعض الدراسات أن 80 في المائة من التي تصمد من هذه الشركات في هذه المرحلة، ستتعرض غالبا لخطر التصدع والانهيار في مرحلة الجيل الثالث، إن لم تستعد مسبقا باتخاذ الترتيبات التي تضمن بقاءها. صحيح أن عدد الشركات الكبيرة الذي يواجه مخاطر الخلافات في مجتمعنا لم يتعد حتى الآن العشرات، بيد أننا في بداية الطريق، لأن 70 في المائة من الشركات العائلية السعودية ما زالت تدار من قبل مؤسسيها، ومن المتوقع زيادة هذه الحالات تدريجيا مع انتقال هذه الشركات من مرحلة المؤسسين الأوائل إلى مرحلة الجيلين الثاني والثالث. وستواجه هذه الشركات تغيرات كثيرة تتطلب تحركها لتوفير حلول تتواكب مع المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة. فقد غدا الجيل الثالث يعمل في بيئة مختلفة عن تلك التي بدأت في الجيل الأول واستمرت إلى الجيل الثاني. وأصبح من الضروري إيجاد سبل تفتح المجال أمام الأبناء في الجيل الثالث للدخول في الشركة الأم، إما عن طريق الشراكة أو الاستشارات، تحت مظلة قانونية مناسبة في الشركة الأم.
ولأن أغلبية الشركات العائلية في بلادنا غير منظمة، فإن أكثر مشكلاتها نابعة من غياب التنظيم المؤسسي الذي يسهل، إن وجد، عملية الفصل بين الملكية والإدارة، ويقضي على مشكلة مركزية الإدارة والصراع على السلطة، ويعالج ضعف الحوكمة والشفافية وغموض الجوانب المالية، على الأقل من وجهة نظر بعض أفراد العائلة، فضلا عن عدم وجود خطة استراتيجية لمعظم هذه الشركات متفق عليها بين الشركاء تساعدهم على تطوير شركتهم والصمود تجاه تحديات العولمة والمنافسة الشرسة.
ونظرا لتصاعد الخلافات بين ملاك بعض الشركات العائلية أخيرا، وبالنظر إلى أهميتها للاقتصاد الوطني، فقد صدر توجيه سام لوزارة التجارة بالعمل على إعداد ميثاق عمل مستمد من التجارب الناجحة لبعض الشركات العائلية الكبرى (كتجارب عائلات: الراجحي، بن محفوظ، المهيدب، زينل، الزامل، بن زقر، العليان، بن لادن، عبد اللطيف جميل، الجفالي، جرير، وفتيحي) ليكون هذا الميثاق بمثابة دليل عمل تستهدي به الشركات المتعثرة في الوقاية من الخلافات المحتملة أو علاج مشكلاتها القائمة. وحسب علمي، فقد بدأت وزارة التجارة مع مجلس الغرف السعودية العمل على إعداد هذا الدليل الإرشادي.
وكان وزير التجارة قد صرح أخيرا بأن أفضل وسيلة تقي من الخلافات وتضمن استمرار الشركات العائلية هي تحول هذه الكيانات إلى شركات مساهمة. وأن الوزارة بصدد إصدار ضوابط مبسطة جديدة خاصة بكيفية تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة. ويتوقع الوزير أن يحقق هذا التوجه عديدا من المميزات لهذه الشركات. كما تنوي بعض الغرف التجارية الكبرى تمويل وإنشاء «مراكز حكماء» تبدأ في المدن الكبرى تكون بمثابة مراكز قانونية متخصصة لها صفة رسمية مدعومة من قبل وزارة العدل، ووزارة التجارة، وإمارات المناطق، غرضها المساعدة على احتواء المنازعات العائلية ومحاولة حلها في مراحلها المبكرة.
لا شك أن هناك نماذج ناجحة لشركات عائلية تحولت إلى شركات مساهمة عامة، حقق لها الشكل القانوني الذي يضمن لها الاستقرار والنمو, حيث استفادت من مزايا نظام الشركات المساهمة بإنشاء شركة ذات ذمة مالية مستقلة عن العائلة، وسهل لهم تحقيق درجة عالية من الحوكمة والشفافية المالية، ووضعت ضوابط تمنع أي شريك من الانفراد بالسلطة، ومكنتهم من وضع لبنات وأسس مبدأ فصل الإدارة عن الملكية، فضلا عن إتاحة الفرصة لاكتساب خبرات جديدة على مستوى القيادة بمشاركة شركاء الجدد. فبهذا تكون قد أخذت بالترتيب القانوني الذي يضمن استقرارها ويحميها من الخلافات، لكنها في الوقت نفسه لم تفقد سيطرتها على الشركة كونها تملك أغلبية الأسهم، فاحتفظت بمزايا القدرة على اتخاذ القرار والتأثير المباشر في سياسة الشركة وتوجهاتها. كما تمكنت من الاستفادة من جهد واستثمار تم تطويره على مدى عدة عقود من خلال بيع جزء من أسهم الشركة، الأمر الذي دعم القاعدة المالية للشركة من خلال الأموال التي تم تحصيلها نتيجة الاكتتاب.
ومع ذلك فالتحول لشركات مساهمة له مثالبه بالنسبة للملاك الأصليين مثل الضغط النفسي على الشركاء المؤسسين نتيجة نشر الميزانيات، والالتزام بالنشر الدوري للميزانية كل ثلاثة أشهر، واضطرار الشركة إلى توزيع أرباح دورية للمساهمين ما قد يفقدها سيولة هي في حاجة إليها. لكن الميزة الكبرى التي يحققها هذا التحول بحماية الشركة من احتمال اختلاف الشركاء يهون من القيود النظامية الذي يفرضها هذا الشكل القانوني.
لكن هل فكرة تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، هي الخيار الوحيد لكل الشركات العائلية لمواجهة مخاطر خلافات الورثة؟ بالطبع لا، هناك بدائل أخرى، أواصل بحول الله الحديث عنها في المقالة التالية.